والمعنى (?): وجعل المشركون بما قالوا نسبة بين الله، وبين الملائكة، وأثبتوا بذلك جنسية جامعة له تعالى، وللملائكة. وقال مجاهد، والسدي، ومقاتل: إن القائل بذلك كنانة، وخزاعة. قالوا: إن الله سبحانه خطب إلى سادات الجن، فزوّجوه من سروات بناتهم، فالملائكة بنات الله من سروات بنات الجن. وفي ذكر الله الملائكة، بهذا الاسم في هذا الموضع إشارة إلى أن من صفته الاجتنان، وهو من صفات الأجرام، لا يصلح أن يناسب من لا يجوز عليه ذلك، وفيه إشارة أيضًا إلى جنة الإنسان، وقصور نظر عقله من كمال أحدية الله، وجلال صمديته، إذا وكل إلى نفسه في معرفة ذات الله، وصفاته، فيقيس ذاته على ذاته، وصفاته على صفاته، فيثبت له نسبًا كما له نسب، ويثبت له زوجة وولدًا كما له زوجة وولد. وهو سبحانه وتعالى يقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.
ثم إن هذا أعني: قوله تعالى: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ} إلخ، عبارة عن قولهم: الملائكة بنات الله. وإنما أعيد ذكره تمهيدًا لما يعقبه من قوله: {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ}؛ أي: وعزتي وجلالي لقد علمت الجنة؛ أي: الملائكة التي عظموها بأن جعلوا بينها وبينه تعالى نسبًا. {إِنَّهُمْ}؛ أي: إن هؤلاء الكفرة {لَمُحْضَرُونَ} النار معذبون بها، لا يغيبون عنها لكذبهم وافترائهم في ذلك، والمراد به. المبالغة في التكذيب ببيان أن الذي يدعي هؤلاء المشركون لهم تلك النسبة، ويعلمون أنهم أعلم منهم بحقيقة الحال، يكذبون في ذلك، ويحكمون بأنهم معذبون لأجله حكمًا مؤكدًا.
والمعنى: أي ولقد علمت الملائكة الذين ادعى المشركون، أن بينه تعالى، وبينهم نسبًا أن هؤلاء المشركين محضرون إلى النار، ومعذبون فيها لكذبهم وافترائهم في قيلهم. وقيل: علمت الجنة أنهم أنفسهم يحضرون للحساب، والأول أولى؛ لأن الإحضار إذا أطلق فالمراد به: العذاب كما مر.