الجنسين لأنفسهم، وأخسهما لربهم.
والمعنى: أي شيء ثبت لكم، كيف تحكمون لله بالبنات، وهو القسم الذي تكرهون، ولكم بالبنين، وهو القسم الذي تحبونه.
155 - {أَفَلا تَذَكَّرُونَ (155)} بحذف إحدى التاءين من تتذكرون. والهمزة فيه للتوبيخ، داخلة على محذوف يقتضيه المقام، والفاء: عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أتلاحظون ذلك الحكم فلا تتذكرون بطلانه، فترجعوا عنه، فإنه مركوز في عقل ذكي وغبي. وقرأ طلحة بن مصرف (?): {تذكرون} بسكون الذال وضم الكاف.
156 - ثم انتقل إلى تبكيت آخر، فقال: {أَمْ لَكُمْ}؛ أي: بل ألكم {سُلْطانٌ مُبِينٌ} وحجة واضحة ظاهرة، نزلت عليكم من السماء، بأن الملائكة بنات الله، ضرورة أن الحكم بذلك لا بد له من سند حسي أو عقلي. وحيث انتفى كلاهما فلا بد من سند نقلي
157 - {فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ} الناطق بصحة دعواكم، فالباء: للتعدية، أو فأتوا بحجتكم الواضحة على هذا {إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} فيما تقولونه. فإذا لم ينزل عليكم كتاب سماوي فيه ذكر ذلك الحكم، فلم تصرون على الكذب، ولا يخفى ما في هذه الآيات من الدلالة على السخط العظيم والإنكار الشديد لأقاويلهم، وتسفيه أحلامهم مع الاستهزاء بهم والتعجيب من جهلهم.
158 - ثم التفت من الخطاب إلى الغيبة للإيذان بانقطاعهم عن الجواب، وسقوطهم عن درجة الخطاب، واقتضاء حالهم أن يعرض عنهم ويحكي جناياتهم لآخرين، فقال {وَجَعَلُوا}؛ أي: وجعل هؤلاء المشركون {بَيْنَهُ} تعالى {وَبَيْنَ الْجِنَّةِ}؛ أي: الملائكة. وسموا جنة لاجتنانهم واستتارهم عن الأبصار {نَسَبًا}؛ أي: مشاكلة، ومناسبة. فقالوا: الملائكة بنات الله، والنسب، والنسبة اشتراك من جهة الأبوين، وذلك ضربان: نسب بالطول كالاشتراك بين الآباء والأبناء، ونسب بالعرض كالنسبة بين الأخوة وبني العم، ويقال: فلان نسيب فلان؛ أي: قريبه.