[104]

والضحاك، وجعفر بن محمد، والأعمش، والثوري {سلّما}؛ أي: فوّضا أمرهما إليه تعالى في قضائه وقدره، وروى عن ابن عباس: أنه قرأ {استسلما} ثلاث قراءات يقال: سلم لأمر الله، وأسلم، واستسلم بمعنى واحد.

{وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ}؛ أي: أسقط إبراهيم الغلام، وأوقعه على جبينه على الأرض. والجبين: أحد جانبي الجبهة، فللوجه جبينان، والجبهة بينهما. قال في «القاموس»: تلّه: صرعه، وألقاه على عنقه وحده، والجبين: أحد جانبي الجبهة، فللوجه فوق الصدغ جبينان، عن يمين الجبهة وشمالها. قال الراغب: أصل التل: المكان المرتفع، والتليل: العنق، وتلّه للجبين: أسقطه على التل أو على تليله؛ أي: عنقه. وقال غيره: صرعه على شقه، فوقع جبينه على الأرض لمباشرة الأمر بصبر وجلد ليرضيا الرحمن، ويحزنا الشيطان. وكان ذلك عند الصخرة التي بأصل جبل ثبير أو في الموضع المشرف على مسجد منى، أو في المنحر الذي ينحر فيه اليوم عند الجمار، أو في مكة عند المقام، وقيل: بالشام، وروي: أن إبليس عرض لإبراهيم عند جمرة العقبة، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم عرض له عند الجمرة الأولى، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم مضى إبراهيم لأمر الله تعالى، وعزم على الذبح، ومنه شرع رمي الجمرات في الحج، فهو من واجبات الحج، يجب بتركه الفدية باتفاق الأئمة.

قال في «التأويلات النجمية»: ومن دقة النظر في رعاية آداب العبودية في حفظ حق الربوبية في القصة: أن إسماعيل، أمر أباه أن يشد يديه ورجليه، لئلا يضطرب إذا مسه ألم الذبح فيعاتب، ثم لما هم بذبحه قال: افتح القيد عني، فإني أخشى أن أعاتب، فيقال لي: أمشدود اليد حبيبي يطيعني. ولقد قيل في المعنى:

وَلَو بِيَدِ الحَبيبِ سُقيتُ سُمَّا ... لَكَانَ السُّمُّ مِن يَدهَ يَطِيْبُ

104 - {وَنادَيْناهُ}؛ أي: ونودي إبراهيم من جانب الجبل {أَنْ} مفسرة لمفعول {وَنادَيْناهُ} المقدر؛ أي: ناديناه بلفظ هو قولنا {أَنْ يا إِبْراهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا}

طور بواسطة نورين ميديا © 2015