وإلى راض ببلاء الله وقضائه توجهت، فما عليك إلا أن تفعل ما تؤمر به، وما عليّ إلا الانقياد، وامتثال الأمر. وعلى الله المثوبة، وهو حسبي، ونعم الوكيل، ولما خاطبه بقوله: يا بني، على سبيل الترحم، أجابه بقوله: يا أبت، على سبيل التوقير والتعظيم، وفوّض الأمر إليه حيث استشاره، وأن الواجب عليه إمضاء ما رآه.
ثم أكد امتثاله للأمر بقوله: {سَتَجِدُنِي} يا أبي {إِنْ شاءَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى صبري {مِنَ الصَّابِرِينَ} على قضاء الله تعالى وبلائه، أو من الصابرين على الذبح. فاستعان بالله في الصبر على بلائه، حيث قال: إن شاء الله. ومن أسند المشيئة إلى الله تعالى، والتجأ إليه لم يعطب. قال الذبيح (?): {مِنَ الصَّابِرِينَ} أدخل نفسه في عداد الصابرين، فرق عليه وموسى عليه السلام تفرد بنفسه، حيث قال للخضر: {سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِرًا}، فخرج، والتفويض أسلم من التفرد، وأوفق لتحصيل المرام، ولما كان إسماعيل في مقام التسليم، والتفويض إلى الله تعالى، وقف وصبر، ولما كان في صورة المتعلم، ومن شأن المتعلم، أن يتعرض لأستاذه فيما لم يفهمه، خرج ولم يصبر، وقال بعضهم: ظاهر موسى تعرض، وباطنه تسليم أيضًا؛ لأنه إنما اعترض على الخضر بغيرة الشرع.
والمعنى: أي سأصبر على القضاء، واحتمل هذه اللأواء غير ضجر ولا برم بما قضي وقدّر، وقد صدق فيما وعد، وبر في الطاعة لتنفيذ ما طلب منه، ومن ثم قال سبحانه في شأنه، مادحًا له: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ}.
103 - ثم ذكر طريق تنفيذ الرؤيا، فقال: {فَلَمَّا أَسْلَما}؛ أي: استسلما لأمر الله، وأطاعاه، وإنقادا له؛ أي: استسلم إبراهيم وابنه لأمر الله، وانقادا، وخضعا له. وعن قتادة: معنى {أَسْلَما}؛ أي: أسلم إبراهيم ابنه وإسماعيل نفسه.
وقرأ الجمهور: {أَسْلَما}. وقرأ عبد الله، وعلي، وابن عباس، ومجاهد،