إليك. سأله عما يبديه قلبه ورأيه أي شيء هو؟ هل هو الإمضاء أو التوقف؟. فقوله: {تَرى} من الرأي الذي يخطر بالبال، لا من رؤية العين.
قال العلماء بالسير وأخبار الماضين (?): لما دعا إبراهيم ربه فقال: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100)}، وبشر به قال: هو إذا لله ذبيح. فلما ولد وبلغ معه السعي قيل له: أوف بنذرك. هذا هو السبب في أمر الله تعالى إياه بالذبح، فقال للغلام: انطلق نقرب لله قربانًا، فأخذ سكينًا وحبلًا، وانطلق معه حتى ذهب به بين الجبال، فقال الغلام: يا أبت أين قربانك؟ فقال: يا بني، إني أرى في المنام أني أذبحك، فانظر ماذا ترى؟ قال: يا أبت افعل ما تؤمر ... إلخ.
فإن قلت: لم شاوره في أمر قد علم أنه حتم من الله تعالى، وما الحكمة في ذلك؟.
قلت: لم يشاوره ليرجع إلى رأيه، وإنما شاوره ليعلم ما عنده، فيما نزل به من بلاء الله تعالى، وليعلم صبره على أمر الله، وعزيمته على طاعته، ويثبت قدمه، ويصبّره إن جزع، ويراجع نفسه، ويوطنها، ويلقي البلاء، وهو كالمستأنس، ويكتسب المثوبة بالانقياد لأمر الله تعالى، قبل نزوله، وتكون سنة في المشاورة، فقد قيل: لو شاور آدم الملائكة في أكله من الشجرة لما فرّط منه ذلك.
فإن قلت: لم كان ذلك في المنام دون اليقظة، وما الحكمة في ذلك؟.
قلت: إن هذا الأمر كان في نهاية المشقة على الذابح والمذبوح، فورد في المنام كالتوطئة له، ثم تأكد حال النوم بأحوال اليقظة، فإذا تظاهرت الحالتان، كان ذلك أقوى في الدلالة. ورؤيا الأنبياء وحي وحق. وفي أسئلة الحكم: لم أمر الله تعالى إبراهيم بذبح ولده في المنام، ورؤيا الأنبياء حق، وقتل الإنسان بغير حق من أعظم الكبائر؟. قيل: أمره في المنام دون اليقظة؛ لأنه ليس شيء أبغض إلى الله من قتل المؤمن، وقيل: ليعلم أن رؤيا الأنبياء، ويقظتهم سواء في وجوب العمل به.