49 - فأجابهم ربهم بقوله: {ما يَنْظُرُونَ} والنظر هنا، بمعنى: الانتظار؛ أي: ما ينتظر كفار مكة {إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً} لا تحتاج إلى ثانية. هي النفخة الأولى، التي هي نفخة الصعق والموت، ينفخها إسرافيل في الصور. {تَأْخُذُهُمْ} مفاجأة، وتصل إلى جميع أهل الأرض والسموات. وجملة قوله: {وَهُمْ يَخِصِّمُونَ} في محل النصب على الحال من مفعول {تَأْخُذُهُمْ}؛ أي: والحال أنهم يتخاصمون فيما بينهم، ويتنازعون في تجاراتهم ومعاملاتهم ويشتغلون بأمور دنياهم حتى تقوم الساعة وهم في غفلة عنها.
فإن قلت: هم (?) ما كانوا منتظرين، بل كانوا جازمين بعدم الساعة والصيحة؟
قلت: نعم إلا أنهم جعلوا منتظرين، نظرًا إلى ظاهر قولهم: متى يقع هذا الوعد؛ لأن من قال: متى يقع الشيء الفلاني، يفهم من كلامه أنه ينتظر وقوعه.
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: تهيج الساعة والرجلان يتبايعان قد نشرا أثوابهما فلا يطويانها، والرجل يلوط حوضه فلا يسقي منه، والرجل قد انصرف بلبن لقحته فلا يطعمه، والرجل قد رفع أكلته إلى فيه فلا يأكلها. ثم تلا: {تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ}.
والمعنى: أي ما ينتظرون بحلول العذاب إلا نفخة واحدة في الصور، بها يموت أهل الأرض جميعا، تأخذهم بغتة وهم يتنازعون في أمور معايشهم، لا يخطر ببالهم مجيؤها. ونحو الآية قوله: {أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}.
وقرأ أبي (?): {يَخْتَصِمُونَ} على الأصل. وقرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، والأعرج، وشبل، وهشام، وابن فنطنطين بإدغام التاء في الصاد، ونقل حركتها إلى الخاء، وأبو عمرو أيضًا. وقالون بإخفاء فتحة الخاء وتشديد الصاد، وعنهما إسكان الخاء وتخفيف الصاد من خصم الثلاثي، والمفعول محذوف؛