المال حرث الدنيا، والعمل الصالح حرث الآخرة، وقد يجمعهما الله لأقوام، قال الفضيل - رحمه الله -: من أراد عز الآخرة، فليكن مجلسه مع المساكين. نسأل الله تعالى فضله الكثير، ولطفه الوفير. فإنه مسبب الأسباب، ومنه فتح الباب.
48 - {وَيَقُولُونَ}؛ أي: أهل مكة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والمؤمنين إنكارًا واستبعادًا {مَتى هذَا الْوَعْدُ} بقيام الساعة والحساب والجزاء؛ أي: متى يقع هذا الموعود، الذي تعدوننا به من العذاب والقيامة، والمصير إلى الجنة أو النار. أقريب أم بعيد؟ أي: متى إنجاز هذا الوعد، وإلا فالوعد بالبعث كان واقعا لا منتظرا، أو أراد بالوعد الموعود. ومعنى طلب القرب في لفظة {هذَا} إما بطريق الاستهزاء والتهكم وإما باعتبار قرب العهد بالوعد. قال في «كشف الأسرار»: إنما ذكروا بلفظ الوعد الذي يكون في الخير غالبا، دون الوعيد، لأنهم زعموا أن لهم الحسنى عند الله، إن كان الوعد حقًا. يقول الفقير: هذا إنما يتمشى في المشركين دون المعطلة، وقد سبق أنهم زنادقة كانوا بمكة. {إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} فيما تعدوننا به وتقولونه، فبينوا لنا وقت وقوعه. وهذا (?) الاستعجال بهجوم الساعة، والاستبطاء لقيام القيامة إنما وقع تكذيبا للدعوة، وإنكارا للحشر والنشر؛ لأنهم قالوا ذلك استهزاءً منهم، وسخريةً بالمؤمنين، ولو كان تصديقًا وإقرارًا واستخلاصًا من هذا السجن، وشوقًا إلى الله تعالى، ولقائه .. لنفعهم جدًا، ولما قامت عليهم القيامة عند الموت، كما لا تقوم على المؤمنين، بل يكون الموت لهم عيدًا وسرورًا.
ومعنى الآية (?): أي ويقولون استهزاءً وإنكارًا: متى يحصل هذا البعث، الذي تهددوننا به تارة تصريحًا، وأخرى تلويحًا، إن كنتم صادقين فيما تقولون وتعدون. والخطاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين، من قبل أنهم كانوا يتلون عليهم الآيات الدالة عليه، الآمرة بالإيمان به.