من المسلمين .. قالوا لمن طلب منهم ذلك: لو شاء الله لأغناهم، وأطعمهم من رزقه، فنحن نوافق مشيئة الله فيهم.
وفي قوله: {مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} ترغيب في الإنفاق على نهج قوله: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ}، وتنبيه إلى عظيم جرمهم في ترك الامتثال للأمر، وذم لهم على ترك الشفقة على عباد الله. وإجمال ذلك: أنهم لم يعظموا الخالق، ولم يشفقوا على المخلوق.
ثم ذكر أنهم على شحهم وبخلهم عابوا الأمر بالإنفاق، ووصفوه بالضلال البين الذي لا شبهة فيه، فقال: {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}؛ أي: ما أنتم أيها المؤمنون في قيلكم لنا: أنفقوا مما رزقكم الله على مساكينكم إلا في جور بيّن، وبعد عن سبيل الرشاد لمن تأمل وتدبر.
وهذا معذرة البخلاء في كل عصر ومصر، إذ تراهم دائمًا يقولون: لا نعطي من حرمه الله. وتلك قربة منهم؛ لأن الله أغنى بعض الخلق وأفقر بعضًا ابتلاء منه لعباده، ولأسباب وحكمة نحن لا نعلمها؛ لا بخلًا منه وشحًا. وأمره الأغنياء بالإنفاق على الفقراء، ليس لحاجة منه إلى مالهم بل ليبلوهم، ويرى أيمتثلون الأمر ويؤدون الواجب، أم ينكصون على أعقابهم ويولون مدبرين .. وفي الحديث «لو شاء الله لجعلكم أغنياء لا فقير فيكم، ولو شاء لجعلكم فقراء لا غني فيكم، ولكنه ابتلى بعضكم ببعض لينظر كيف عطف الغني، وكيف صبر الفقير». وهذه الآية ناطقة بترك شفقتهم على خلق الله. وجملة التكاليف ترجع إلى أمرين: التعظيم لأمر الله تعالى، والشفقة على خلق الله. وهم قد تركوا الأمرين جميعا. وقد تمسك البخلاء الآن بما تمسكوا به حيث يقولون: لا نعطي من حرم الله، ولو شاء لأغناه. نعم لو كان هذا الكلام صادرا عن يقين وشهود وعيان لكان مفيدًا، بل توحيدًا محضًا يدور عليه كمال الإيمان، ولكنهم سلكوا طريق التقليد والإنكار والعناد ومن لم يهد الله فما له من هاد.
وكان لقمان يقول إذا مر بالأغنياء: يا أهل النعيم لا تنسوا النعيم الأكبر وإذا مر بالفقراء يقول: إياكم أن تغبنوا مرتين. وعن علي - رضي الله عنه - إن