الكسائي، والزجاج، وغيرهما. وقيل: هو استثناء منقطع؛ أي: لكن يغاثون وينقذون لرحمة منا. وقيل: هو منصوب على المصدرية بفعل مقدر؛ أي: إلا أن يرحموا رحمة منا. {و} انتصاب {مَتاعًا} بالعطف على {رَحْمَةً}؛ أي: لا يغاثون، ولا ينقذون لشيء من الأشياء إلا لرحمة منا، وتمتيع منا لهم {إِلى حِينٍ}؛ أي: إلى زمان قدر لآجالهم، أو إلا أن يرحمهم الله، ويمتعهم إلى انقضاء آجالهم.
وفي الآية رد على ما زعم الطبيعي، من أن السفينة تحمل بمقتضى الطبيعة، وأن المجوف لا يرسب الماء. فقال تعالى في رده: ليس الأمر كذلك، بل لو شاء الله تعالى إغراقهم، لأغرقهم، وليس ذلك بمقتضى الطبيعة، وإلا لما طرأ عليها آفة ورسوب.
وفيها الإشارة إلى أن المنعم عليه، ينبغي أن لا يأمن في حال النعمة عذاب الله تعالى. فإن كفار الأمم السالفة، أمنوا من بطشه تعالى، فأخذوا من حيث لا يشعرون، فكيف يأمن أهل مكة، وأهل السفينة؟! لكن لا يعرفون قدر النعمة إلا بعد تحولها عنهم. ولا قدر العافية إلا بعد الابتلاء بمصيبة، فلا بد من مقابلة النعمة بالشكر والعطاء بالطاعة والاجتهاد في طريق التوحيد والمعرفة. فإن المقصود من الإمهال هو تدارك الحال.
والمعنى: أي وإن نشأ إغراقهم في الماء مع ما حملته السفن والزوارق، فلا مغيث لهم يحفظهم من الغرق، وينجيهم من الموت، ولكن رحمة منا بهم وتمتيعا لهم إلى حين، بلذات الحياة الدنيا أبقيناهم، وحفظناهم من الغرق. وإلى هذا أشار بقوله: {إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعًا إِلى حِينٍ (44)}.
45 - {وَإِذا قِيلَ لَهُمُ}؛ أي: لكفار مكة بطريق الإنذار {اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ}؛ أي: ما قبلكم من العقوبات النازلة على الأمم الماضية الذين كذبوا رسلهم، واحذروا من أن ينزل بكم مثلها، إن لم تؤمنوا. جعلت الوقائع الماضية باعتبار تقدمها عليهم، كأنها بين أيديهم. {وَما خَلْفَكُمْ}؛ أي: وما بعدكم من العذاب المعد لكم في الآخرة بعد هلاكهم. جعلت أحوال الآخرة باعتبار أنها تكون بعد