هلاكهم كأنها خلفهم. أو المعنى: {ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ}؛ أي: ما أمامكم من أمر الآخرة، فاعملوا لها، فإنهم مستقبلون لها {وَما خَلْفَكُمْ} من أمر الدنيا، فلا تغتروا بها، فإنهم تاركون لها. وقيل: {ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ}؛ أي: ما مضى من الذنوب وَما خَلْفَكُمْ؛ أي: ما بقي منها. وقيل غير ذلك. وما قدمناه أولى؛ لأن الله تعالى خوّف الكفار بشيئين:
أحدهما: العقوبات النازلة على الأمم الماضية.
والثاني: عذاب الآخرة.
وقوله: {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} إما حال من واو {اتَّقُوا}؛ أي: اتقوا حالة كونكم راجين أن ترحموا، أو غاية لهم؛ أي: اتقوا كي ترحموا فتنجوا من ذلك، لما عرفتم أن مناط النجاة، ليس إلا رحمة الله. وجواب {إِذا} محذوف؛ أي: أعرضوا عن الموعظة، حسبما اعتادوه، وتمرنوا عليه، وزادوا مكابرة وعنادا، كما دلت عليه الآية الثانية، أعني: قوله: {إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ}.
46 - {وَمَا} نافية {تَأْتِيهِمْ} تنزل إليهم {مِنْ}: مزيدة لتأكيد العموم {آيَةٍ} تنزيلية، كائنة {مِنْ} تبعيضية {آياتِ رَبِّهِمْ} التي من جملتها هذه الآيات الناطقة بما فصل، من بدائع صنع الله، وسوابغ آلائه الموجبة للإقبال عليها، والإيمان بها {إِلَّا كانُوا عَنْها} متعلق بقوله: {مُعْرِضِينَ} والجملة حال من مفعول {تأتي}، والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال؛ أي (?): وما تأتيهم آية من آيات ربهم، في حال من الأحوال، إلا حال إعراضهم عنها، على وجه التكذيب والاستهزاء. ويجوز أن يراد بالآيات: ما يعم الآيات التنزيلية والتكوينية، فالمراد بإتيانهم: ما يعم نزول الوحي، وظهور تلك الأمور لهم. والمعنى: ما يظهر لهم آية من الآيات الشاهدة بوحدانيته تعالى، وتفرده بالألوهية، إلا كانوا تاركين النظر الصحيح فيها، المؤدي إلى الإيمان به تعالى. فكل ما في الكون فهو مركز صفة من صفاته تعالى، وسر من أسرار ذاته.