ومقول القول قوله: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ}؛ أي: أمسك على نكاحك {زَوْجَكَ} زينب، واتركها فيه {وَاتَّقِ اللَّهَ} سبحانه في أمرها, ولا تطلقها ضرارًا، أو تعللًا بتكبرها, ولا تعجل بطلاقها. {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ}؛ أي: والحال أنك تضمر في قلبك وتستر الأمر الذي الله مظهره للناس، وهو نكاحها إن طلقها زيد. وقيل: حبها، وهو علم بأن زيدًا سيطلقها وسينكحها، يعني: أنك تعلم بما أعلمتك أنها ستكون زوجتك، وأنت تخفي في نفسك هذا المعنى، والله يريد أن ينجز لك وعده، ويبدي أنها زوجتك بقوله: {زَوَّجْنَاكَهَا}، وكان من علامات أنها زوجته إلقاء محبتها في قلبه، وذلك بتحبيب الله تعالى، لا بمحبته بطبعه، وذلك ممدوح جدًا، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: "حبب إلى من دنياكم ثلاث: الطيب والنساء وقرة عيني في الصلاة"، وأنه لم يقل أحببت، ودواعي الأنبياء من قبيل الإذن الإلهي؛ إذ ليس للشيطان عليهم سبيل.
قال في "الأسئلة المقحمة": قد أوحي إليه أن زيدًا يطلقها، وأنت تزوج بها، فأخفى عن زيد سر ما أوحي إليه؛ لأن السر يتعلق بالمشيئة والإرادة، ولا يجب على الرسل الإخبار عن المشيئة والإرادة، وإنما يجب عليهم الإخبار والإعلام عن الأوامر والنواهي، لا عن المشيئة، كما أنه كان يقول لأبي لهب: آمن بالله، وقد علم أن الله أراد أن لا يؤمن أبو لهب، كما قال تعالى: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3)}؛ لأن ذلك الذي يتعلق بعذاب أبي لهب إنما هو من المشيئة والإرادة، فلا يجب على النبي إظهاره، ولا الإخبار عنه.
{وَتَخْشَى النَّاسَ}؛ أي: تستحييهم، أو (?) تخاف لومهم وتعييرهم لك به، بأن يقولوا: أمر مولاه بطلاق امرأته، ثم تزوجها. وفي "التأويلات النجمية": أي: تخشى عليهم أن يقعوا في الفتنة بأن يخطر ببالهم نوع إنكار، أو اعتراض عليه، أو شك في نبوته، بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - من تنزه عن مثل هذا الميل، وتتبع الهوى، فيخرجهم عن الإيمان إلى الكفر، فكانت تلك الخشية إشفاقًا منه عليهم، ورحمة بهم أنهم لا يطيقون سماع هذه الحالة، ولا يقدرون على تحملها. {وَاللَّهُ أَحَقُّ}؛ أي: والحال أن الله سبحانه أحق وأجدر وأولى {أَنْ تَخْشَاهُ} في كل حال، وتخاف منه،