بالصبر والتسليم والرضا، وإن يكن مخالفًا للشرع .. يجب عليه التوبة والاستغفار، والإنابة إلى الله تعالى من غير اعتراض على الله فيما قدر وقضى وحكم به، فإنه حكيم يفعل ما يشاء بحكمته، ويحكم ما يريد بعزته. انتهى.
37 - ثم ذكر الله سبحانه نبيه بما وقع منه؛ ليزيده تثبيتًا على الحق، وليدفع عنه ما حال في صدور ضعاف العقول، ومرضى القلوب فقال: {وَإِذْ تَقُولُ}. روي (?) أنه لما نزلت الآية المتقدمة .. قالت زينب وأخوها عبد الله: رضينا يا رسول الله؛ أي: بنكاح زيد، فأنكحها عليه الصلاة والسلام إياه، وساق إليها مهرها عشرة دنانير وستين درهمًا، وخمارًا، وملحفة، ودرعًا، وإزارًا، وخمسين مدًا من طعام، وثلاثين صاعًا من تمر، وبقيت بالنكاح معه مدةً، فجاء النبي عليه الصلاة والسلام يومًا إلى بيت زيد لحاجة، فأبصر زينب، فأعجبه حسنها، فوقع في قلبه محبتها بلا اختيار منه، والعبد غير ملوم على مثله ما لم يقصد المأثم، ونظرة المفاجأة التي هي النظرة الأولى مباحة، فقال عليه الصلاة والسلام عند ذلك: "سبحان الله، يا مقلب القلوب ثبت قلبي" وانصرف، وذلك أن نفسه كانت تمتنع عنها قبل ذلك لا يريدها, ولو أرادها لخطبها، وسمعت زينب التسبيحة، فذكرتها لزيد بعد مجيئه، وكان غائبًا ففطن، فأتى رسول الله تلك الساعة، فقال: يا رسول الله، إني أريد أن أفارق صاحبتي، فقال: "ما لك، أرأيت منها شيئًا؟ " قال: لا والله، ما رأيت منها إلا خيرًا، ولكنها تتعظم علي لشرفها، وتؤذيني بلسانها، فمنعه عليه الصلاة والسلام، وذلك قوله تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ}؛ أي: واذكر يا محمد قصة وقت قولك: {لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} بالتوفيق للإسلام الذي هو أجل النعم، وللخدمة والصحبة، وهو زيد بن حارثة {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} يا محمد بحسن التربية والإعتاق والتبني له، وكان من سبي الجاهلية، اشتراه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجاهلية، وأعتقه وتبناه، وهو أول من أسلم من الموالي، وكان - صلى الله عليه وسلم - يحبه، ويحب ابنه أسامة، شهد بدرًا والخندق والحديبية، واستخلفه النبي - صلى الله عليه وسلم - على المدينة حين خرج إلى بني المصطلق، وخرج أميرًا في سبع سرايا، وقتل يوم مؤتة - بضم الميم وبالهمزة ساكنة -: موضع معروف عند الكرك.