وأَقْسَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى مِدْعَمٍ أَنَّ الشَّمْلَةَ التِّي أَخَذَهَا غُلُولًا لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا لِعِلْمِهِ - صلى الله عليه وسلم - بِذَلِكَ [1669].
* ولَمْ تَحِلَّ الغَنَائِمُ لِغَيْرِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، وإنَّمَا كَانَت الغَنِيمَةُ تُجْمَعُ فتنْزِلُ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فتَحْرِقَهَا، فَأحَلَّهَا اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لِهَذِه الأُمَّةِ، فَقَالَ تَعَالَى: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 68] يَعْنِي: أَنَّهُ سَبَقَ مِنَ اللهِ جَلَّ وَعَزَّ لِهَذِه الأُمَّةِ أَن أَحَلَّ لَهُمُ الغَنَائِمَ، ثُمَّ قَالَ: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} [الأنفال: 69]، فَكَانَتِ الغَنِيمَةُ في أَوَّلِ الإسْلَامِ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وذَلِكَ قَوْلُهُ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1]، ثُمَّ قَسَمَهَا اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41]، إلى آخِرِ الآيةِ، وصَارَتِ الأَرْبَعَةُ الأَخْمَاسِ للَّذِينَ غَنِمُوهَا، وقالَ - صلى الله عليه وسلم -: "مَالِي مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْكُمْ إِلَّا الخُمُسَ، والخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ" [1666]، فَالخُمُسُ مَرْدُودٌ إلى مَصَالِحِ المُسْلِمِينَ، فَمِنْهُ يُعْطَى غَازِي المُسْلِمِينَ، وقَاضِيهِم، وصَاحِبُ أَعْمَالِهِمْ التّي لَا غِنَاءَ بالمُسْلِمينَ عَنْهَا، وعَنْ مَنْ يَقُومُ لَهُمْ فِيهَا.
* [قالَ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ: قَوْلُ ابنِ عَبَّاسٍ: (مَا ظَهَرَ الغُلُولُ في قَوْمٍ قَطُّ إِلَّا أَلْقَى في قُلُوبهِمِ الرُّعْبَ، ولَا فَشَا الزِّنَا في قَوْمٍ قَطّ إِلَّا كثرَ فِيهِمُ المَوْتُ [1670]، وذَكَرَ الحَدِيثً إلى آخِرِه، فَفِي هَذا بَيَانٌ: أَنَّ المَعَاصِي إذا فَشَتْ في النَّاسِ فَلَمْ تُغَيَّرْ كَانَ لِكُلِّ صنْفٍ مِنْهَا عُقُوبَةً يُعَاقَبُ بِهَا كُلُّ مَنْ فَشَت فِيمَا بَيْنَهُمْ إذا لَمْ يُغَيِّرُوهَا، {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25]، فَدَلَّ بِهَذا أَنَّ العُقُوبَةَ قَدْ تُصِيبُ الظَّالِمَ وغَيْرَهُ إذا لَمْ تُغَيَّر المَعَاصِي علَى أَهْلِهَا، فتكُونُ عُقُوبَةً للظَّالِمِ، وكَفَّارَةً لِغَيْرِهِ، وإذا عُمِلَتِ المَعَاصِي سرًّا لَمْ تَضُرَّ إِلَّا لأَصْحَابِهَا.
* قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَنْ قُتِلَ صَابِرًا مُحْتَسِبا أَنَّهُ تُكَفَّرُ عَنْهُ خَطَايَاهُ إلَّا الدَّيْنَ [1676]، يَحْتَمِلُ هَذا الحَدِيثُ -وَاللهُ أَعْلَمُ- أَنْ يَكُونَ المَقْتُولُ كَانَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدّي بهِ دَيْنَهُ فَلَمْ يَفْعَلْ حتَّى قُتِلَ، وَمَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ، فَلَقِيَ اللهَ وَهُوَ ظَالِمٌ لأَخِيهِ بِمَطْلِهِ دَيْنَهُ، وأَمَّا مَنْ كَانَ في عُسْرَة وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يُؤَدّي مِنْهُ دَيْنَهُ فَبِخِلَافِ ذَلِكَ، وقَدْ قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: