غَنِمْتُمْ مِثْلَ عَدَدِ تِلْكَ السَّمَرِ إبِلًا لَقَسَمْتُهَا بَيْنَكُمْ، (ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا، ولَا جَبَانَا، ولَا كَذَابًا) (?).
قالَ عِيسَى: لَيْسَ مِنْ أَخْلَاقِ الأَنْبيَاءِ البُخْلُ، ولَا الجُبْنُ، وقَدْ يَكُونَ المُؤْمِنُ بَخِيلًا وَجَبَانًا، ولَا يَكُونُ كَدَّابًا، لأَنَّ الَكَذَّبَ مُجَانِبٌ للإيمَانِ.
وقَوْلُهُ في هَذَا الحَدِيثِ: (أَدَّوُا الخَائِطَ والمِخْيَطَ)، يَعْنِي: أَدُّوا الخَيْطَ والإِبْرَةَ مِنَ الغَنِيمَةِ ومَا قَلَّ مِنَ الغُلُولِ، (فإنَّ الغُلُولَ عَارٌ، ونَارٌ، وَشَنَارٌ على أَهْلِهِ)، فَالعَارُ: العَيْبُ، والشَّنَارُ: الفَضِيحَةُ.
قالَ عِيسَى: هَذَا كُلُّهُ كَلَامٌ وَاحِدٌ، ومَعْنَاهُ العَيْبُ.
وقَوْلُهُ: (شِرَاك مِنْ نَارٍ)، يَعْنِي: إذا أَخَذَهُ الرَّجُلُ مِنَ المَغْنَمِ عَلَى وَجْهِ الغُلُولِ فَهُوَ حَرَامٌ وإن قَلَّ ثَمَنُهُ، ومَا أَخَذَهُ الرَّجُلُ مِنَ المَغْنَمِ على غَيْرِ وَجْهِ الغُلُولِ، وكَانَ ثَمَنُهُ يَسِيرًا وكَانَ مُحْتَاجًا إليهِ، قالَ مَالِكٌ: كَالنَّعْل يَحْتَذِيهِ الرَّجُلُ، أَو الجِلْدُ يُغَشيه إكَافَهُ، وعِيدَانٌ يَعْمَلُ مِنْهَا مَشَاجِبَ (?)، فَلَا بَأْسَ بأَخْذِ مِثْلَ هَذا اليَسِيرِ إذا احْتَاجَ إليه، ولَمْ يَأْخُذهُ عَلَى وَجْهِ الغُلُولِ.
* إنَّمَا كَرِهَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الصَّلَاةَ على الغَالِّ إعْظَامَا مِنْهُ لِشَأْنِ الغُلُولِ، ولِكَيْ يَرْتَدِعَ بِذَلِكَ مَنْ هُمَّ أَنْ يَغُلَّ [1667].
* ومَعْنَى تَكْبِيرِه عَلَى القَبيلَةِ الذي وُجِدَ العِقْدُ في بَرْدَعَةِ أَحَدِهِمْ كَمَا يُكَبَّرُ عَلَى المَيِّتِ [1669]، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ هَلَكُوا بِسَببِ الغُلُولِ الذي كَانَ فِيهِم، فَصَارُوا بِذَلِكَ كَالمَوْتَى الذينَ يُصَلَّى عَلَيْهِم، ويُدْعَى لَهُمْ، وهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى تَعْظِيمِ أَمْرِ الغُلُولِ.
* [قالَ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ: السَّهْمُ الغَرِبُ هُوَ الذي يُرْمَى بهِ إلى جَمَاعَةِ النَّاسِ، وَلَا يُقْصَدُ بهِ وَاحِدٌ بِعَيْيهِ.