"مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ، ومَنْ تَرَكَ دَيْنًا فَالِيَّ " (?)، فَهَذا هُوَ الدَّيْنُ الذِي لَا يَسْتَطِيعُ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ [أَدَائُهُ] (?) إلى صَاحِبهِ، فَمَتَى قُتِلَ هَذا في سَبيلِ اللهِ كَفَّرَ اللهُ عَنْهُ خَطَايَاهُ، وكَانَ دَيْنُهُ في ذِمَّةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -.
[قالَ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ: رَوَى ابنُ بُكَيْرٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ [أبي] (?) النَّضْرِ: "أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةٍ مِنَ الصَلَوَاتِ، فَقَالَ: مَنْ هَهُنَا مِنْ بَنِي فُلَانٍ؟ فأَجَابَهُ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ، فقالَ: إنَّ صَاحِبَكُمْ قَدْ حُبسَ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ دُونَ الجَنَّةِ، فإنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُقْضُوهُ عَنْهُ فَافْعَلُوا، فَفَعَلُوا" (?)، ولَمْ يَرْوِ يحيى بنُ يحيى في المُوطَّأ هَذا الحَدِيثَ.
وفِيهِ بَيَانُ أَنَّهُ مَنْ أَدَّى عَنْهُ دَيْنَهُ بَعْدَ مَوْتهِ أَنَّهُ تَسْقُطُ عَنْهُ فِيهِ التَّبعَةُ، كَمَا قَدْ يُتَصَدَّقُ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتهِ فَتَنْفَعُهُ الصَّدَقَةُ في قَبْرِهِ، وُيؤْجَرُ عَلَيْهَا.
* قَوْلُهُ في البَقِيعِ: (مَا عَلَى الأَرْضِ بُقْعَةٌ أَحَبُّ إليَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَبْرِي بها مِنْهَا) [1978]، يَعْنِي: مَقْبَرَةَ المَدِينَةِ، فَفِي هَذا دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِ المَدِينَةِ عَلَى سَائِرِ بِقَاعِ الدُّنْيَا.
* وقَدْ تَمَنَّى عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ أَنْ يُدْفَنَ بالمَدِينَةِ، وأَنْ يَمُوتَ شَهِيدًّا [1680]، فَأَعْطَاهُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- مَا تَمَنَّى مِنَ الشَّهَادَةِ، ودُفِنَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وأَبي بَكْرٍ بالمَدِينَةِ، وقتَلَهُ مَجُوسِيٌّ لَا يَحْتَجّ عِنْدَ اللهِ بسَجْدَةٍ سَجَدَهَا لَهُ، فَفِي هَذا دَلِيلٌ على أَنَّ مَنْ سَجَدَ للهِ مُؤْمِنًا بِهِ مُصَدِّقًا بِنَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ يَحْتَجّ بِذَلِكَ عِنْدَ اللهِ، وَلَا يُخَلَّدُ في النَّارِ، وإنْ وَاقَعَ الكَبَائِرَ، وَيَصْدُقُ هَذا قَوْلُهُ في حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ: "أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبّهٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إيِمَانٍ" (?).