كَلَّا، إِنَّ مِنْ أَصْحَابِ الْأَوْرَادِ مَنْ يَقُومُ لَيْلَهُ بِوِرْدٍ مِنْ تَشْرِيعٍ مُبْتَدَعٍ هُوَ بِهِ عَاصٍ لِلَّهِ - تَعَالَى - لِعِبَادَتِهِ بِغَيْرِ مَا شَرَعَهُ، فَكَانَ مِمَّنْ قَالَ فِيهِمْ: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ 42: 21 أَيْ بِهَلَاكِهِمْ. وَفِي الْحَدِيثِ: ((رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ)) كَمْ مِنْ مُصَلٍّ هُوَ مِصْدَاقٌ لِحَدِيثِ: ((مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صِلَاتُهُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ لَمْ يَزْدَدْ مِنَ اللهِ إِلَّا بُعْدًا)) وَكَذَلِكَ كَانَ دَرَاوِيشُ مَهْدِيِّ السُّودَانِ، وَأَمْثَالُهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْجَاهِلِينَ لِهِدَايَةِ الْقُرْآنِ، فَنَكَّلَ بِهِمُ الْإِفْرِنْجُ بِمُسَاعَدَةِ الْفَاسِقِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَاسْتَوْلَوْا عَلَى بِلَادِهِمْ. وَقَدْ عَلِمْنَا مِنْ أَخْبَارِ هَذَا الْمَهْدِيِّ أَنَّهُ كَانَ عَلَى عِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ
فِي صَلَاحِهِ، وَلَكِنَّ قُوَّادَهُ لَمْ يَكُونُوا بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَصَلَاحُ دَرَاوِيشِهِ لَا بَصِيرَةَ فِيهِ وَلَا عِلْمَ.
كَلَّا إِنَّ الْمُرَادَ بِالصَّالِحِينَ الَّذِينَ يَحْفَظُ اللهُ بِهِمُ الْأُمَمَ هُمُ الَّذِينَ قَالَ اللهُ فِيهِمْ: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ 21: 105 وَهُمُ الْمُتَّقُونَ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ: إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ 7: 128 وَقَالَ: وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لِيَسْتَخْلِفْنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ 24: 55 الْآيَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِمْ قَرِيبًا، وَإِنَّ اللهَ لَا يَحْفَظُ الْأُمَمَ بِذَوَاتِهِمْ وَبَرَكَةِ أَجْسَادِهِمْ، وَلَا بِعِبَادَاتِهِمُ الشَّخْصِيَّةِ الْقَاصِرِ نَفْعُهَا عَلَيْهِمْ، بَلْ بِأَمْرِهِمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيِهِمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَطَاعَةِ الْأُمَّةِ لَهُمْ.
نَعَمْ إِنَّ اللهَ لَا يُهْلِكُ الْأُمَّةَ كُلَّهَا بِعَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ مَادَامَ فِيهَا جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّالِحِينَ، وَلَكِنَّهُ يُعَذِّبُهَا بِذُنُوبِهَا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ مِمَّا فَصَّلْنَاهُ فِي عِلَاوَةِ قِصَّةِ الطُّوفَانِ الرَّابِعَةِ.
(الطُّغْيَانُ وَالرُّكُونُ إِلَى الظَّالِمِينَ سَبَبُ الْحِرْمَانِ مِنَ النَّصْرِ) :
(الشَّاهِدُ التَّاسِعُ) قَوْلُهُ - تَعَالَى -: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا 112 وَقَوْلُهُ بَعْدَهَا: وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ 113 فِيهِمَا مِنْ سُنَنِ اللهِ - تَعَالَى - فِي الِاجْتِمَاعِ أَنَّ الطُّغْيَانَ وَالرُّكُونَ إِلَى الظَّالِمِينَ مِنْ أَسْبَابِ هَلَاكِ الْأُمَمِ وَحِرْمَانِهِمْ مِنَ النَّصْرِ عَلَى أَعْدَائِهِمْ، وَهَذَا يَشْتَرِكُ مَعَ الظُّلْمِ فِي شَوَاهِدِهِ الْآتِيَةِ:
(الشَّوَاهِدُ: الْعَاشِرُ - الْخَامِسَ عَشَرَ عَلَى إِهْلَاكِ الْأُمَمِ بِالظُّلْمِ) :
(فِي الْآيَاتِ 100 - 102 و112 و113 و116 و117) :
أَوَّلُهَا فِي هَذَا السِّيَاقِ قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لِرَسُولِهِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ: ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ 100 وَالثَّانِيَةُ: وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ 101 أَيْ بِإِهْلَاكِهِمْ،