بَلْ أَنْذَرْنَاهُمْ عَاقِبَةَ ظُلْمِهِمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ظُلْمًا عَامًّا فَكَانَ هَلَاكُهُمْ عَامًّا، وَكَانَ أَكْبَرَ ظُلْمِهِمُ الشِّرْكُ، فَكَانُوا يَدْعُونَ آلِهَتَهُمْ أَنْ تَدْفَعَ عَنْهُمُ الْعَذَابَ، فَاتَّكَلُوا عَلَيْهَا فِي دَفْعِ مَا أَنْذَرَهُمُ الرُّسُلُ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ 101 الْآيَةَ.
هَذَا مَعْنًى لَا يُكَابِرُ فِيهِ أَحَدٌ يَدَّعِي التَّوْحِيدَ وَالْإِيمَانَ بِالْقُرْآنِ، وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْجَاهِلِينَ بِعَقَائِدِ الْقُرْآنِ إِذَا بَيَّنْتَ لَهُمْ مَا يُخَالِفُ تَقَالِيدَهُمْ مِنْهَا أَنْكَرُوهُ، وَأَوَّلُ مَا يُنْكِرُونَهُ أَسَاسُهَا الْأَعْظَمُ وَهُوَ تَوْحِيدُ اللهِ وَمَعْنَى الشِّرْكِ بِهِ مِنْهَا، إِذْ هُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ شِرْكَ أُولَئِكَ الْأَقْوَامِ عِبَارَةٌ عَنْ عِبَادَةِ أَصْنَامٍ وَأَوْثَانٍ مِنَ الْجَمَادِ يَتَّكِلُونَ عَلَيْهَا لِذَاتِهَا. فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ: إِنَّ أَصْلَهُ الْغُلُوُّ فِي الصَّالِحِينَ وَلَا سِيَّمَا الْمَيِّتِينَ مِنْهُمْ، وَاعْتِقَادُ تَصَرُّفِهِمْ فِي الْكَوْنِ، وَدُعَاؤُهُمْ فِي طَلَبِ النَّفْعِ وَدَفْعِ الضُّرِّ، وَأَنَّ مِثْلَهُ أَوْ مِنْهُ مَا كَانَ يُحْكَى عَنْ مُسْلِمِي بُخَارَى أَنَّ شَاهْ نَقْشَبَنْدَ هُوَ الْحَامِي لَهَا، فَلَنْ تَسْتَطِيعَ الدَّوْلَةُ الرُّوسِيَّةُ الِاسْتِيلَاءَ عَلَيْهَا، وَمَا كَانَ يُحْكَى عَنْ مُسْلِمِي الْمَغْرِبِ الْأَقْصَى مِنْ حِمَايَةِ مَوْلَايَ إِدْرِيسَ لِفَاسَ وَسَائِرِ الْمَغْرِبِ أَنْ تَسْتَوْلِيَ عَلَيْهَا فَرَنْسَةُ، أَنْكَرُوا عَلَى الْقَائِلِ: إِنَّ هَذَا كَذَاكَ، وَقَالُوا: إِنَّمَا هُوَ تَوَسُّلٌ بِجَاهِ الْأَوْلِيَاءِ عِنْدَ اللهِ، وَلَيْسَ مِنَ الْمُنْكَرِ أَنْ يَدْفَعُوهَا بِكَرَامَتِهِمْ. فَكَرَامَةُ الْأَمْوَاتِ ثَابِتَةٌ كَالْأَحْيَاءِ، وَقَدْ بَيَّنَّا لَهُمْ جَهْلَهُمْ هَذَا بِتَبَدُّلِ الْأَسْمَاءِ، وَمُخَالَفَتِهِ لِكِتَابِ اللهِ - تَعَالَى - وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، وَسِيرَةِ السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنَ الْأُمَّةِ فِي فُتُوحَاتِهِمْ وَتَأْسِيسِ مُلْكِهِمْ وَحِفْظِهِ، وَخَصَّصْنَا إِخْوَانَنَا أَهْلَ الْمَغْرِبِ الْأَقْصَى بِالْإِنْذَارِ مُنْذُ أُنْشِئَ الْمَنَارُ، وَأَرْشَدْنَاهُمْ إِلَى تَنْظِيمِ قُوَّاتِهِمُ الدِّفَاعِيَّةِ الْعَسْكَرِيَّةِ، وَطَلَبِ الضُّبَّاطِ لَهُ مِنَ الدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ، وَإِلَى الْعُلُومِ وَالْفُنُونِ الْمُرْشِدَةِ إِلَى الْقُوَّةِ وَالثَّرْوَةِ وَالنِّظَامِ، وَإِلَّا ذَهَبَتْ بِلَادُهُمْ مِنْ أَيْدِيهِمْ قَطْعًا. فَقَالَ الْمُغْوُونَ لَهُمْ مِنْ أَهْلِ الطَّرَائِقِ الْقِدَدِ بِلِسَانِ حَالِهِمْ أَوْ مَقَالِهِمْ: إِنَّ صَاحِبَ الْمَنَارِ مُعْتَزِلِيٌّ مُنْكِرٌ لِكَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ، وَمَا هُوَ بِمُعْتَزِلِيٍّ وَلَا أَشْعَرِيٍّ، بَلْ هُوَ قُرْآنِيٌّ سُنِّيٌّ، وَهَا هِيَ ذِي فَرَنْسَةُ اسْتَوْلَتْ عَلَى بِلَادِهِمْ كَمَا أَنْذَرَهُمْ، وَظَهَرَ أَنَّ أَكْبَرَ مَشَايِخِ الطَّرِيقِ نُفُوذًا وَدَعْوَى لِلْكَرَامَاتِ بِالْبَاطِلِ كَالتِّيجَانِيَّةِ، كَانُوا وَمَا زَالُوا مِنْ خِدْمَةِ فَرَنْسَةَ وَمُسَاعِدِيهَا عَلَى فَتْحِ الْبِلَادِ، وَاسْتِعْبَادِ أَهْلِهَا أَوْ إِخْرَاجِهِمْ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ إِلَى الْإِلْحَادِ أَوِ النَّصْرَانِيَّةِ مِنْ حَيْثُ يَدْرُونَ أَوْ لَا يَدْرُونَ.
يَجْهَلُ أَمْثَالُ هَؤُلَاءِ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّ الشِّرْكَ بِاللهِ - تَعَالَى - خَاصٌّ بِعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَانِ، أَنَّ أَصْلَ هَذَا الشِّرْكِ هُوَ الْغُلُوُّ فِي تَعْظِيمِ الصَّالِحِينَ، وَالتَّبَرُّكِ أَوِ التَّوَسُّلِ بِأَشْخَاصِهِمْ لِإِبْطَالِ سُنَنِ اللهِ - تَعَالَى - وَأَوَّلُهُمْ قَوْمُ نُوحٍ، فَقَدْ كَانَتْ آلِهَتُهُمْ (وَدٌّ وَسُوَاعٌ وَيَغُوثُ وَيَعُوقُ وَنَسْرٌ) رِجَالًا صَالِحِينَ غَلَوْا فِي تَعْظِيمِهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ، وَوَضَعُوا لَهُمُ الصُّوَرَ وَالتَّمَاثِيلَ