تفسير المنار (صفحة 4987)

(الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: التَّوَكُّلُ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ) :

تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَحْثِ التَّوْحِيدِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ، وَفِي صِفَاتِ الرُّسُلِ مِنْ آخِرِ الْبَابِ الثَّالِثِ.

الْبَابُ السَّادِسُ:

(فِي سُنَنِ اللهِ - تَعَالَى - فِي التَّكْوِينِ وَالتَّقْدِيرِ وَالطَّبَائِعِ وَالْغَرَائِزِ وَالِاجْتِمَاعِ الْبَشَرِيِّ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ فَصُولٍ) :

(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي سُنَنِ التَّكْوِينِ وَالتَّقْدِيرِ، أَيْ: نِظَامُ الْخَلْقِ، وَفِيهِ أَنْوَاعٌ) :

(سُنَّتُهُ - تَعَالَى - فِي رِزْقِ الْأَحْيَاءِ) :

(النَّوْعُ الْأَوَّلُ) قَوْلُهُ - تَعَالَى -: - وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا - 6 يُشِيرُ إِلَى سُنَنٍ كَثِيرَةٍ، فَإِنَّ الرِّزْقَ الْمُضَافَ إِلَى ضَمِيرِ هَذِهِ الدَّوَابِّ الْكَثِيرَةِ عَامٌّ يَشْمَلُ أَنْوَاعًا كَثِيرَةً مِنْهَا، وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالْآيَاتِ الْمُنَزَّلَةِ وَالْآيَاتِ الْمُشَاهَدَةِ أَنَّ رِزْقَ اللهِ - تَعَالَى - لِجَمِيعِ الْأَحْيَاءِ هُوَ مَا خَلَقَهُ مِنَ الْأَقْوَاتِ لِكُلِّ جِنْسٍ وَنَوْعٍ مِنْهَا، وَهَدَاهُ إِلَى التَّغَذِّي بِهِ لِحِفْظِ حَيَاتِهِ وَنَمَائِهِ وَبَقَائِهِ إِلَى الْأَجَلِ الْمُقَدَّرِ لَهُ، وَيَجْرِي ذَلِكَ بِسُنَنٍ كَثِيرَةٍ وَضَعَ الْبَشَرُ لِتَفْصِيلِهَا عُلُومًا كَثِيرَةً فِي النَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ وَوَظَائِفِ أَعْضَاءِ التَّغَذِّي وَالْهَضْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

(سُنَنُهُ فِي مُسْتَقَرِّ الْأَحْيَاءِ وَمُسْتَوْدَعِهَا) :

(الثَّانِي) قَوْلُهُ: - وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا - 6 يَشْمَلُ سُنَنًا أُخْرَى كَثِيرَةً، فَقَدْ بَيَّنَّا فِي تَفْسِيرِ الْمُسْتَقَرِّ وَالْمُسْتَوْدَعِ أَنَّ فِيهِمَا أَقْوَالًا يَحْتَمِلُهَا اللَّفْظُ، وَنَقُولُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ فِي جَوَازِ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَعْنًى يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ مُرَادًا مِنْهُ: أَنَّ تَعَدُّدَ أَنْوَاعِ الِاسْتِقْرَارِ وَالِاسْتِيدَاعِ وَأَمَاكِنِهَا وَأَزْمَانِهَا لِكُلِّ نَوْعٍ مِنَ الدَّوَابِّ فِي الْحَمْلِ بِهِ وَحَضَانَتِهِ وَوِلَادَتِهِ وَحَيَاتِهِ وَمَوْتِهِ وَوَطَنِهِ وَتَنَقُّلِهِ، يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لِكُلٍّ مِنْ ذَلِكَ سُنَنٌ فِي مُنْتَهَى الْحِكْمَةِ وَالنِّظَامِ، وَلَكَ أَنْ تُجْمِلَهَا فِي نَوْعٍ وَاحِدٍ، وَأَنْ تُفَصِّلَهَا فَتَجْعَلَهَا عِدَّةَ أَنْوَاعٍ.

(سُنَنُهُ فِي كِتَابَةِ نِظَامِ الْعَالَمِ وَمَقَادِيرِهِ) :

(الثَّالِثُ) قَوْلُهُ - تَعَالَى -: - كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ - 6 بَيَانٌ لِنَوْعٍ آخَرَ مِنَ النِّظَامِ، وَهُوَ نَوْعُ الْكِتَابَةِ الشَّامِلِ لِمَا ذُكِرَ قَبْلَهُ مِنْ نَوْعِ تَعَلُّقِ الْعِلْمِ، وَمَا قَبْلَهُ مِنْ نَوْعِ تَعَلُّقِ

الْقُدْرَةِ بِمَا وُجِدَ مِنَ الْمَعْلُومَاتِ بِالْفِعْلِ، وَمِثَالُهُ الْمُقَرَّبُ لِتَصْوِيرِ حِكْمَتِهِ: تَدْوِينُ كِتَابِ دِيوَانِ الْحُكُومَةِ النِّظَامِيَّةِ لِكُلِّ مَا فِيهَا مِنْ أَعْيَانٍ وَأَمْوَالٍ وَأَعْمَالٍ وَمَقَادِيرَ وَتَدْبِيرٍ، فَالْوَحْيُ يُعَلِّمُنَا أَنَّ الْكَوْنَ الْأَعْظَمَ قَائِمٌ بِنِظَامٍ أَحَاطَ بِهِ عِلْمُ اللهِ - تَعَالَى - وَأَنَّ مَقَادِيرَهُ الَّتِي نَفَّذَتْ بِقُدْرَتِهِ - تَعَالَى -:

-

طور بواسطة نورين ميديا © 2015