تفسير المنار (صفحة 4985)

كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَبَصِيرَةٍ فِي دِينِهِ، وَقَدْ فَسَّرُوا الْبَصِيرَةَ بِالْحُجَّةِ، وَالدَّعْوَةِ إِلَى سَبِيلِ اللهِ كَمَا أَمَرَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ.

(الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: الِاحْتِسَابُ وَالْإِخْلَاصُ لِلَّهِ فِي الدَّعْوَةِ دُونَ التِّجَارَةِ بِهَا) :

تَقَدَّمَ فِي صِفَاتِ الرُّسُلِ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - أَنَّ دَعْوَتَهُمْ وَهِدَايَتَهُمْ كَانَتْ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللهِ - تَعَالَى - وَإِرَادَةِ وَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا يُصَرِّحُونَ لِأَقْوَامِهِمْ بِأَنَّهُمْ لَا يَسْأَلُونَهُمْ عَلَيْهَا مَالًا وَلَا أَجْرًا، كَمَا رَأَيْتَ فِي الْآيَتَيْنِ 29 و51 مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ وَذَكَّرْنَاكَ بِمِثْلِهِمَا فِي السُّوَرِ الْأُخْرَى، فَعَلَى كُلِّ دَاعٍ إِلَى اللهِ - تَعَالَى - أَنْ يَكُونَ فِي دَعْوَتِهِ وَهِدَايَتِهِ مُخْلِصًا لِلَّهِ - تَعَالَى - لَا يَبْتَغِي بِهَا مَالًا وَلَا جَاهًا فِي الدُّنْيَا، وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ بَذْلِ الْمُسْلِمِينَ الْمَالَ لِمُسَاعَدَةِ الدُّعَاةِ ; فَإِنَّهُ - تَعَالَى - قَالَ لَهُمْ: - وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى - 5: 2.

(الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: وِلَايَةُ فُقَرَاءَ الْمُؤْمِنِينَ وَضُعَفَائِهِمْ كَكُبَرَائِهِمْ) :

تَقَدَّمَ فِي صِفَاتِ الرُّسُلِ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - أَنَّ هَذِهِ الْفَضِيلَةَ مِنْ أَخَصِّ فَضَائِلِهِمْ، وَاسْتَشْهَدْنَا عَلَيْهَا بِمَا رَدَّ بِهِ نُوحٌ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى أَشْرَافِ قَوْمِهِ إِذْ طَعَنُوا عَلَى أَتْبَاعِهِ وَلَقَّبُوهُمْ بِأَرَاذِلِهِمْ فِي الْآيَاتِ (27 - 30) وَمَا فِي مَعْنَاهَا، وَنَاهِيكَ فِي هَذَا الْبَابِ بِسُورَةِ الْأَعْمَى " عَبَسَ " فَفِيهَا الْعِبْرَةُ الْكُبْرَى لِكُلِّ ذِي بَصَرٍ وَبَصِيرَةٍ، وَمِنْ خَصَائِصِ الْمُسْلِمِينَ الثَّابِتَةِ فِي الْكِتَابِ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ، وَمِنْ صِفَاتِهِمْ فِي السُّنَّةِ: " الْمُسْلِمُونَ

ذِمَّتُهُمْ وَاحِدَةٌ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ " إِلَخْ، وَأَنَّهُمْ " كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ وَكَالْبُنْيَانِ الْمَرْصُوصِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا " وَبِهَذَا يَكُونُونَ الْآنَ كَمَا كَانَ سَلَفُهُمْ أُمَّةً قَوِيَّةً فِي قِتَالِهِمْ وَسِلْمِهِمْ، فَهَلْ مُسْلِمُو عَصْرِنَا كَمَا وَصَفَ اللهُ وَرَسُولُهُ؟

(الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: النَّصِيحَةُ الْعَامَّةُ) :

كَانَ الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - كُلُّهُمْ نَاصِحِينَ لِأَقْوَامِهِمْ فَيَجِبُ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ شَوَاهِدِ النُّصْحِ فِي قِصَّةِ نُوحٍ قَوْلَهُ: - وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي - 34 الْآيَةَ، وَفِيهَا مِنْ سُورَةِ الْأَعْرَافِ قَوْلُهُ لِقَوْمِهِ: - أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ - 7: 62 وَفِي قِصَّةِ هُودٍ مِنْهَا - أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ - 7: 68 وَفِي قِصَّةِ صَالِحٍ مِنْهَا: - فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ - 7: 79 وَفِي قِصَّةِ شُعَيْبٍ مِنْهَا: - فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ - 7: 93 وَقَالَ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " الدِّينُ النَّصِيحَةُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

فَهَلْ مُسْلِمُو عَصْرِنَا عَلَى هَذَا الدِّينِ، دِينِ جَمِيعِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ؟ ! .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015