بِقَوْلِهِمْ: (إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ) (9: 65) بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ صِفَاتِهِمُ الْعَامَّةِ مِنَ الْآيَةِ: (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (9: 67) أَيِ الْخَارِجُونَ مِنْ مُحِيطِ هِدَايَةِ الدِّينِ وَسَلَامَةِ الْفِطْرَةِ.
(16) قَوْلُهُ فِي لَمْزِهِمْ وَعَيْبِهِمْ لِلْمُتَطَوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَسُخْرِيَتِهِمْ
مِنْهُمْ فِي الْآيَةِ (سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (9: 79) وَهَذَا التَّعْبِيرُ يُسَمَّى بِالْمُشَاكَلَةِ أَيْ عَاقَبَهُمْ بِمِثْلِ جُرْمِهِمْ فَجَعَلَهُمْ سُخْرِيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ بِمَا فَضَحَ بِهِ نِفَاقَهُمُ الَّذِي كَانُوا يُخْفُونَهُ.
(17) قَوْلُهُ فِي تَعْلِيلِ عَدَمِ غُفْرَانِ اللهِ لَهُمْ: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (9: 80) وَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ) (9: 84) وَقَدْ نَزَلَ هَذَا فِي زَعِيمِهِمْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ، وَلَكِنْ جُعِلَ حُكْمُ النَّهْيِ عَامًّا.
(18 و19) أَشَدُّ مَا وَصَفَهُمْ بِهِ فِي الْآيَةِ (95) أَنَّهُمْ رِجْسٌ، وَأَنَّهُ كُلَّمَا نَزَلَتْ سُورَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ زَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ، حَتَّى مَاتُوا عَلَى كُفْرِهِمْ كَمَا فِي الْآيَةِ (125) وَأَنَّهُمْ عِنْدَ نُزُولِهَا يَنْصَرِفُونَ مِنْ مَجْلِسِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ غَفْلَةِ الْمُؤْمِنِينَ عَنْهُمْ ثُمَّ قَالَ: (صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ) أَيْ صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ عَنِ الِاهْتِدَاءِ بِهَا بِسَبَبِ أَنَّهُمْ لَا يَفْقَهُونَ مَا فِيهَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى بِمُقْتَضَى سُنَّتِهِ فِي ارْتِبَاطِ الْأَسْبَابِ بِمُسَبِّبَاتِهَا وَهَذَا آخِرُ مَا ذُكِرُوا بِهِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنَ الْآيَةِ 127.
فَأَنْتَ تَرَى أَنَّ كُلَّ مَا وُصِفُوا بِهِ بَيَانٌ لِحَقِيقَةِ حَالِهِمْ بِأَنْزَهِ تَعْبِيرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَقْرُونًا بِتِلْكَ الْأَعْمَالِ الْقَبِيحَةِ وَالْأَخْلَاقِ السَّافِلَةِ وَالسَّرَائِرِ الَّتِي هِيَ شَرٌّ مِنْهَا، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِوَصْفِهِمُ التَّنْفِيرُ مِنْهُ لِإِعْدَادِ مَنْ فِيهِ اسْتِعْدَادًا لِقَبُولِ الْحَقِّ بِالرُّجُوعِ إِلَيْهِ، وَقَدْ تَابَ أَكْثَرُهُمْ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
(الْفَصْلُ الثَّانِي)
(فِي الْمُنَافِقِينَ وَصِفَاتِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ وَسِيَاسَةِ الْإِسْلَامِ فِيهِمْ)
النِّفَاقُ خُلُقٌ رَدِيءٌ وَوَصْفٌ خَبِيثٌ تَتَلَوَّثُ بِهِ الْأَنْفُسُ الدَّنِيئَةُ الْفَاسِدَةُ الْفِطْرَةِ، فَلَا يَرَى أَهْلُهَا وَسِيلَةً إِلَى مَطَامِعِهِمْ فِي الْمَالِ وَمَطَامِحِهِمْ إِلَى الْجَاهِ إِلَّا الْكَذِبَ، وَالرِّيَاءَ، وَلِقَاءَ النَّاسِ بِالْوُجُوهِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَالتَّصَنُّعَ، وَالْخِدَاعَ، وَلِينَ الْقَوْلِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِيهِمْ: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) (63: 4) وَهُمْ يُوجَدُونَ فِي كُلِّ شِعْبٍ وَكُلِّ قَبِيلَةٍ، لَا تَخْلُو مِنْهُمْ بَادِيَةٌ وَلَا حَاضِرَةٌ، وَالنِّفَاقُ قِسْمَانِ: خَاصٌّ وَعَامٌّ، فَالْخَاصُّ: هُوَ الشَّخْصِيُّ الَّذِي يُحَاوِلُ صَاحِبُهُ لِقَاءَ كُلِّ أَحَدٍ مِمَّا يُرْضِيهِ
عَنْهُ وَيُحَبِّبُهُ إِلَيْهِ وَلَا سِيَّمَا الْحُكَّامِ وَأَصْحَابِ الْجَاهِ وَالْمَنَاصِبِ وَالثَّرَاءِ الَّذِينَ يُرْجَى الِانْتِفَاعُ مِنْهُمْ أَوْ يُخْشَى ضَرُّهُمْ، فَهُوَ يَلْبَسُ لِلصَّالِحِينَ مِنْهُمْ لِبَاسَ التَّقْوَى