إِنَّ السِّينَ وَالتَّاءَ فِي: اسْتَمْتَعْتُمْ لِلطَّلَبِ يَكُونُ الْمَعْنَى: فَمَنْ طَلَبْتُمْ أَنْ تَتَمَتَّعُوا أَوْ تَنْتَفِعُوا بِتَزَوُّجِهَا فَأَعْطُوهَا الْمَهْرَ الَّذِي تَفْرِضُونَهُ لَهَا عِنْدَ الْعَقْدِ عَطَاءَ فَرِيضَةٍ، أَوْ حَالَ كَوْنِهِ فَرِيضَةً تَفْرِضُونَهَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوْ فَرَضَهَا اللهُ عَلَيْكُمْ، وَإِذَا قُلْنَا: إِنَّهَا لَيْسَتْ لِلطَّلَبِ، يَكُونُ الْمَعْنَى فَمَنْ تَمَتَّعْتُمْ بِتَزَوُّجِهَا مِنْهُنَّ بِأَنْ دَخَلْتُمْ بِهَا أَوْ صِرْتُمْ مُتَمَكِّنِينَ مِنَ الدُّخُولِ بِهَا لِعَدَمِ الْمَانِعِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَأَعْطُوهَا مَهْرَهَا عَطَاءَ فَرِيضَةٍ، أَوِ افْرِضُوهُ لَهَا فَرِيضَةً، أَوْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ ذَلِكَ فَرِيضَةً لَا هَوَادَةَ فِيهَا، أَوْ حَالَ كَوْنِ ذَلِكَ الْمَهْرِ فَرِيضَةً مِنْكُمْ أَوْ مِنْهُ تَعَالَى، فَالْمَهْرُ يُفْرَضُ وَيُعَيَّنُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ وَيُسَمَّى ذَلِكَ إِيتَاءً وَإِعْطَاءً حَتَّى قَبْلَ الْقَبْضِ، يَقُولُونَ حَتَّى الْآنَ: عَقَدَ فُلَانٌ عَلَى فُلَانَةَ وَأَمْهَرَهَا بِأَلْفٍ أَوْ أَعْطَاهَا عَشَرَةَ آلَافٍ مَثَلًا، وَكَانُوا يَقُولُونَ أَيْضًا: فَرَضَ لَهَا كَذَا فَرِيضَةً ; وَلِذَلِكَ اخْتَرْنَا أَنَّ الَّذِي فَرَضَ الْفَرِيضَةَ هُوَ الزَّوْجُ بِتَقْدِيمِهِ فِي التَّقْدِيرِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً (2: 236) ، وَقَوْلُهُ: وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ (2: 237) ، فَالْمَهْرُ يَجِبُ وَيَتَعَيَّنُ بِفَرْضِهِ وَتَعْيِينِهِ فِي الْعَقْدِ وَيَصِيرُ فِي حُكْمِ الْمُعْطَى، وَالْعَادَةُ أَنْ يُعْطَى كُلُّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلَا يُجِبُ كُلُّهُ إِلَّا بِالدُّخُولِ ; لِأَنَّ مَنْ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ لَا كُلُّهُ، وَمَنْ لَمْ يُعْطِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَجِبُ عَلَيْهِ إِعْطَاؤُهُ بَعْدَهُ، وَمَنْ قَالَ مِنَ الْفُقَهَاءِ: لَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْمَرْأَةِ بِمُعَجَّلِ الْمَهْرِ بَعْدَ الدُّخُولِ لَمْ يُرِدْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهَا، أَوْ أَنَّهُ يَسْقُطُ بِالدُّخُولِ، بَلْ أَرَادَ أَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ الْمَعْهُودِ فَيَغْلِبُ أَنْ تَكُونَ بَاطِلَةً.
وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ، أَيْ: لَا حَرَجَ وَلَا تَضْيِيقَ عَلَيْكُمْ مِنْهُ تَعَالَى إِذَا تَرَاضَيْتُمْ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ عَلَى الزِّيَادَةِ فِيهَا أَوِ النَّقْصِ مِنْهَا أَوْ حَطِّهَا كُلِّهَا، فَإِنَّ الْغَرَضَ مِنَ الزَّوْجِيَّةِ أَنْ تَكُونُوا فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَمَوَدَّةٍ وَرَحْمَةٍ تَصْلُحُ بِهَا شُئُونُكُمْ، وَتَرْتَقِي بِهَا أُمَّتُكُمْ، وَالشَّرْعُ يَضَعُ لَكُمْ قَوَاعِدَ الْعَدْلِ، وَيَهْدِيكُمْ مَعَ ذَلِكَ إِلَى الْإِحْسَانِ وَالْفَضْلِ: إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا فَيَضَعُ لِعِبَادِهِ مِنَ الشَّرَائِعِ بِحِكْمَتِهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّ فِيهِ صَلَاحَ حَالِهِمْ مَا تَمَسَّكُوا بِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ أَوْجَبَ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَفْرِضَ لِمَنْ يُرِيدُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا أَجْرًا يُكَافِئُهَا بِهِ عَلَى قَبُولِ قِيَامِهِ وَرِيَاسَتِهِ عَلَيْهَا، ثُمَّ أَذِنَ
لَهُ وَلَهَا فِي التَّرَاضِي عَلَى مَا يَرَيَانِ الْخَيْرَ فِيهِ لَهُمَا وَالِائْتِلَافَ وَالْمَوَدَّةَ بَيْنَهُمَا.
هَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ نَظْمِ الْآيَةِ ; فَإِنَّهَا قَدْ بَيَّنَتْ مَا يَحِلُّ مِنْ نِكَاحِ النِّسَاءِ فِي مُقَابَلَةِ مَا حُرِّمَ فِيمَا قَبْلَهَا وَفِي صَدْرِهَا، وَبَيَّنَتْ كَيْفِيَّتَهُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِمَالٍ يُعْطَى لِلْمَرْأَةِ وَبِأَنْ يَكُونَ الْغَرَضُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْإِحْصَانَ دُونَ مُجَرَّدِ التَّمَتُّعِ بِسَفْحِ الْمَاءِ، وَذَهَبَتِ الشِّيعَةُ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ " نِكَاحُ الْمُتْعَةِ ": وَهُوَ نِكَاحُ الْمَرْأَةِ إِلَى أَجَلٍ مُعَيَّنٍ كَيَوْمٍ أَوْ أُسْبُوعٍ أَوْ شَهْرٍ مَثَلًا، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقِرَاءَةٍ شَاذَّةٍ رُوِيَتْ عَنْ أُبَيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَبِالْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ الَّتِي رُوِيَتْ