فِي الْمُتْعَةِ، فَأَمَّا الْقِرَاءَةُ فَهِيَ شَاذَّةٌ لَمْ تَثْبُتْ قُرْآنًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَا صَحَّتْ فِيهِ الرِّوَايَةُ مِنْ مِثْلِ هَذَا آحَادًا، فَالزِّيَادَةُ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ التَّفْسِيرِ، وَهُوَ فَهْمٌ لِصَاحِبِهِ، وَفَهْمُ الصَّحَابِيِّ لَيْسَ حُجَّةً فِي الدِّينِ، لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ النَّظْمُ وَالْأُسْلُوبُ يَأْبَاهُ كَمَا هُنَا، فَإِنَّ الْمُتَمَتِّعَ بِالنِّكَاحِ الْمُوَقَّتِ لَا يَقْصِدُ الْإِحْصَانَ دُونَ الْمُسَافَحَةِ، بَلْ يَكُونُ قَصْدُهُ الْأَوَّلُ الْمُسَافَحَةَ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ نَوْعٌ مَا مِنْ إِحْصَانِ نَفْسِهِ وَمَنْعِهَا مِنَ التَّنَقُّلِ فِي دِمَنِ الزِّنَا ; فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فِيهِ شَيْءٌ مَا مِنْ إِحْصَانِ الْمَرْأَةِ الَّتِي تُؤَجِّرُ نَفْسَهَا كُلَّ طَائِفَةٍ مِنَ الزَّمَنِ لِرَجُلٍ فَتَكُونُ كَمَا قِيلَ:
كُرَةٌ حُذِفَتْ بِصَوَالِجَةٍ ... فَتَلَقَّفَهَا رَجُلٌ رَجُلُ
ثُمَّ إِنَّهُ يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ بِمَعْنَى هَذَا، كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي صِفَةِ الْمُؤْمِنِينَ: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (23: 5 - 7) ، أَيِ: الْمُتَجَاوِزُونَ مَا أَحَلَّهُ اللهُ لَهُمْ إِلَى مَا حَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ، وَهَذِهِ الْآيَاتُ لَا تُعَارِضُ الْآيَةَ الَّتِي نُفَسِّرُهَا بَلْ هِيَ بِمَعْنَاهَا فَلَا نَسْخَ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَمَتَّعُ بِهَا لَيْسَتْ زَوْجَةً فَيَكُونُ لَهَا عَلَى الرَّجُلِ مِثْلُ الَّذِي لَهُ عَلَيْهَا بِالْمَعْرُوفِ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى، وَقَدْ نُقِلَ عَنِ الشِّيعَةِ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُعْطُونَهَا أَحْكَامَ الزَّوْجَةِ وَلَوَازِمَهَا، فَلَا يَعُدُّونَهَا مِنَ الْأَرْبَعِ اللَّوَاتِي تَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهَا مَعَ عَدَمِ الْخَوْفِ مِنَ الْجَوْرِ، بَلْ يُجَوِّزُونَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَمَتَّعَ بِالْكَثِيرِ مِنَ النِّسَاءِ، وَلَا يَقُولُونَ بِرَجْمِ الزَّانِي الْمُتَمَتِّعِ إِذْ لَا يَعُدُّونَهُ مُحْصَنًا، وَذَلِكَ قَطْعٌ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْمُسْتَمْتِعِينَ: مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَهَذَا تَنَاقُضٌ صَرِيحٌ مِنْهُمْ، وَنَقَلَ عَنْهُمْ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمُتَمَتَّعَ بِهَا لَيْسَ لَهَا إِرْثٌ وَلَا نَفَقَةٌ وَلَا طَلَاقٌ وَلَا عِدَّةٌ! وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقُرْآنَ بَعِيدٌ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ، وَلَا دَلِيلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَلَا شِبْهَ دَلِيلٍ عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ.
وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ الْمَرْوِيَّةُ فِي ذَلِكَ فَمَجْمُوعُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُرَخِّصُ لِأَصْحَابِهِ فِيهَا فِي بَعْضِ الْغَزَوَاتِ، ثُمَّ نَهَاهُمْ عَنْهَا، ثُمَّ رَخَّصَ فِيهَا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ نَهَاهُمْ عَنْهَا نَهْيًا مُؤَبَّدًا، وَأَنَّ الرُّخْصَةَ كَانَتْ لِلْعِلْمِ بِمَشَقَّةِ اجْتِنَابِ الزِّنَا مَعَ الْبُعْدِ عَنْ نِسَائِهِمْ فَكَانَتْ مِنْ قَبِيلِ ارْتِكَابِ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ ; فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا عَقَدَ عَلَى امْرَأَةٍ خَلِيَّةٍ نِكَاحًا مُؤَقَّتًا وَأَقَامَ مَعَهَا ذَلِكَ الزَّمَنَ الَّذِي عَيَّنَهُ، فَذَلِكَ أَهْوَنُ مِنْ تَصَدِّيهِ لِلزِّنَا بِأَيَّةِ امْرَأَةٍ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَمِيلَهَا، وَيَرَى أَهْلُ السُّنَّةِ أَنَّ الرُّخْصَةَ فِي الْمُتْعَةِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ يَقْرُبُ مِنَ التَّدْرِيجِ فِي مَنْعِ الزِّنَا مَنْعًا بَاتًّا كَمَا وَقَعَ التَّدْرِيجُ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ، وَكِلْتَا الْفَاحِشَتَيْنِ كَانَتْ فَاشِيَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَكِنَّ فُشُوَّ الزِّنَا كَانَ فِي الْإِمَاءِ دُونَ الْحَرَائِرِ، وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّ الرُّخْصَةَ بِالْمُتْعَةِ لَمْ تُنْسَخْ، أَوْ أَنَّ النَّهْيَ عَنْهَا إِنَّمَا كَانَ فِي حَالِ الْإِقَامَةِ وَالِاخْتِيَارِ، لَا فِي حَالِ الْعَنَتِ وَالِاضْطِرَارِ الَّذِي يَكُونُ غَالِبًا فِي الْأَسْفَارِ، وَأَشْهَرُ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ كَانُوا يَقُولُونَ بِهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ