سقط من أُمهِ فنسب إلى حال ولادته التي سقط من أمه؛ لأن ذلك إنما يكون بالتعليم دون الحال التي يجري فيها المولود.

ثم وجه الحكمة في جعل النبوة في الأمي أن يكون ذلك سبب معرفة نبوته وعلامة رسالته، بحيث يعلم أنه ما اخترع ذلك من لدن نفسه؛ إذ لم يعرف الكتابة والقراءة ولا اختلف إلى أحد؛ ليتعلم منه، ثم أحوج جميع الحكماء إلى حكمته، وجميع أهل الكتاب إلى معرفة كتابه؛ لحسن نظمه وتأليفه؛ ليعلم أنه إنما ناله بالوحي والرسالة، واللَّه أعلم.

وقوله: (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ).

الآيات: الأعلام، فكأنه يقول: يتلو عليهم في كتابه أعلاما تبين رسالته وتظهر نبوته.

أو يجوز أن يكون الآيات: الحلال والحرام وما أشبهه.

أو الآيات: الحجج التي يستظهر بها الحق، واللَّه أعلم.

وقوله: (وَيُزَكِّيهِمْ).

قَالَ بَعْضُهُمْ: يصلحهم، يعني: يدعوهم إلى اتباع ما يصيرون أذكياء أتقياء.

ويجوز أن يكون معنى قوله: (وَيُزَكِّيهِمْ) أي: يطهرهم من خبث الشرك وخبث الأخلاق وخبث الأقوال، واللَّه أعلم.

وقوله: (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)، اختلفوا فيه:

قال الحسن: هذا كلام مثنى؛ الكتاب والحكمة واحد.

وقال أبو بكر: الكتاب: ما يتلى من الآيات، والحكمة: هي الفرائض.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: الحكمة: هي السنة؛ لأنه كان يتلو عليهم آياته، ويعلمهم سنته؛ إما بلطف من اللَّه تعالى وإلهامه إياه أو بالوحي.

ومنهم من قال: الكتاب: ما يتلى من الآيات نصًّا، والحكمة: ما أودع فيها من المعاني؛ واللَّه أعلم، أي ذلك كان؟

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ).

أي: أنهم كانوا عن الكتاب والحكمة لفي ضلال بين ظاهر؛ لأنهم كانوا مشركين عبدة الأصنام، ليس عندهم كتاب، ولا يعرفون الحكمة.

ويحتمل أن يكون معنى قوله: (وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) أي: في الشرك وعبادة الأصنام، فدعاهم الرسول إلى توحيده وترك ما هم فيه من عبادة الأصنام.

قال الفقيه - رحمه اللَّه - في قوله: (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ): إن اللَّه تعالى قد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015