(3)

(4)

جعلهم أتقياء أذكياء علماء بعدما كانوا أميين جهالا سفهاء؛ آية ودلالة على حقية دينه - عليه السلام - على سائر الأديان؛ حيث لم يكن أهلها كذلك، ويكون فيه ترغيب للآخرين؛ ليصيروا علماء حكماء.

وقوله: (وَيُعَلِّمُهُمُ).

يجوز أن يكون هذا تعليمًا من اللَّه تعالى؛ فيجعلهم علماء بعدما كانوا سفهاء، وأذكياء بعدما كانوا أنجاسًا وأقذارا عبدة الأوثان، وذلك من لطف اللَّه تعالى بهم؛ لأن ما أضيف من هذه الأفعال إلى اللَّه تعالى، فهو على حقيقة الوجود، وما أضيف إلى الرسول فهو على الأسباب، وذلك أنه لا يجوز أن يعلم اللَّه تعالى أحدا فلا يصير عالما؛ لأن تعليمه خلق العلم في المحل الذي أراد، وما أراد وخلق يكون لا محالة، فأما الرسول فيجوز أن يعلم البشر فلا يتعلم؛ لأن تعليمه بسبب؛ لأنه ليس له قدرة الخلق والإيجاد؛ فثبت أنه على جهة السبب، واللَّه الموفق.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3).

فإن كان معناه الخفض، فهو منسوق على قوله: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ) ومن آخرين لم يلحقوا بهم؛ فيكون فيه إخبار أن رسالته تبقى إلى آخر الدهر.

وإن كان معناه النصب فهو منسوق على قوله: (وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)، فيكون فيه بشارة أنه يكون في الآخرين علماء أتقياء حكماء كما كان في هَؤُلَاءِ.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: يحتمل أن يكون هذا في أهل النفاق؛ فيكون معناه: فهو الذي بعث في الأميين رسولا فيصيرون علماء حكماء مؤمنين على الحقيقة في الظاهر والباطن، وآخرين من هَؤُلَاءِ الأميين في الظاهر لما يلحقوا بهم في الباطن؛ والتأويل الأول أصح وأقرب.

وقوله: (وَهُوَ الْعَزِيزُ) حيث جعل في كل واحد من البشر أثر الذل به والفقر إليه.

وقوله: (الْحَكِيمُ).

في أمره حيث أمرهم بالحكمة.

أو الحكيم في تدبيره؛ حيث جعل في كل مخلوقاته ما يشهد بوحدانيته وتدبيره فيه.

أو هو الحكيم في تقديره؛ حيث خلق الأشياء المتضادة من نحو النور والظلمة والنيل والنهار؛ لأنه وضع كل شيء موضعه، لم يخلط ظلمة بنور ولا نورا بظلمة، ولا ليلا بنهار ولا نهارا بليل.

وقوله: (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ... (4):

طور بواسطة نورين ميديا © 2015