ولكن المعنى من ذلك كله واللَّه أعلم: أن اللَّه بعث رسوله أميًّا في قوم أميين لا يعلمون الحكمة وماهيتها، وجعل ذلك آية لرسالته وحجة لنبوته؛ لأنه إذا كان أميًّا لا يكتب ولا يقرأ الكتب، ثم آتاهم الكتاب مؤلفًا منظومًا يوافق كتب أهل الكتاب دل أنه إنما علم ذلك بالوحي، وأنه لم يختلقه من عند نفسه، واللَّه أعلم.
ثم الدليل على أنه كان رسولا إليهم جميعًا قوله: (كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا)، وما روي عنه - عليه السلام - أنه قال: " بعثت إلى الأحمر والأسود " يعني: إلى الإنس والجن، ولأجل أنه لما بعث إلى طائفة ليدعوهم إلى طاعة اللَّه تعالى وعبادته، علم أنه رسول إلى غيرهم؛ إذا لم يكن لهم رسول آخر؛ لأن الطائفة الأخرى إذ لم يكن لهم رسول آخر، واحتاجوا إلى معرفة الأمر والنهي وإلى طاعة الرحمن حاجة الطائفة التي بعث إليهم؛ دل أنه رسول إليهم جميعًا، واللَّه أعلم.
وقوله: (بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ).
معناه: أنه بعث - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في قوم أميين لا يعرفون عبادة اللَّه ولا يقرءون الكتاب، بل كانت عادتهم عبادة الأصنام.
وقيل في تأويل الأميين: هم الذين لم يؤمنوا بالكتب، ولكن هذا فاسد؛ لأن اللَّه تعالى سمى نبيه - عليه السلام - أميًّا بقوله: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ).
وقيل: سماهم: أميين؛ لأنهم لا يقرءون الكتاب ولا يكتبون على الأعم الأغلب، وإن كان فيهم القليل ممن يقرأ ويكتب، ومن هذا سمي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: أميًّا؛ لأنه كان لا يكتب ولا يقرأ في كتاب ولم يعلم ذلك؛ قال اللَّه تعالى: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ)، وعلى ذلك روي عن النبي - عليه السلام -: " الشهر هكذا وهكذا " وأشار بأصبعه، وقال: " إنما نحن أمة أمية لا تحسب ولا تكتب ".
وقال الزجاج: الأمي هو الذي لا يحسن القراءة والكتابة ولم يتعلم، ويكون على ما