الكافر، ولا يأبى بمثله إلى المسلم، وقد وصفنا أن الكفارة للتألم بإخراج ما أمر بإخراجه عن ملكه، مع ما في القرآن دليل على جواز اصطناع المعروف إليهم، وهو قوله - تعالى -: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ)، ثم قال - أيضًا - بعد ذلك: (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ).
وذكر في القصة أن بعض أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كانوا قد امتنعوا عن الإنفاق على أقربائهم لما أبوا الإسلام؛ فنزلت هذه الآية؛ فهذا يبين ذلك وأن في الاصطناع إليهم وإعتاقهم يكون تكفيرًا.
ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) فتأويله عند أبي حنيفة - رحمه اللَّه -: أي: عتقا لا مسيس فيه؛ لأن عنده الإعتاق يحتمل التجزؤ: أنه يعتق نصفه، ثم النصف الآخر؛ فيشترط أن يعتق النصفين جميعًا قبل المسيس، حتى لو مسها فيما بين ذلك يلزمه استئناف العتق، وعلى هذا التأويل قوله: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ... (4) أي: صوم شهرين لا مسيس فيه، حتى لو واقعها في وقت لم يتم صوم شهرين بعد يلزمه الاستئناف، وكأن معناه: لا مسيس في خلال الكفارة؛ فمتى وجد المسيس في وقت لم يتم الكفارة بعد يلزمه الاستئناف، وتأويل قوله: (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) عند أبي يوسف - رحمه اللَّه -: أي: يعتق قبل وقت المسيس، ويصوم كذلك. ويقول بأن الآية خرجت لبيان وقت التكفير فيه: حتى إذا جامع امرأته في صوم الظهار أنه لا يستأنف الصوم، بل يصوم الباقي؛ إذ قد فات عن وقته فصار قاضيًا عما عليه، وليس بعد الجماع وقت لذلك الصوم، بل يكون ذلك على القضاء؛ فيجوز متفرقًا ومتتابعًا؛ كصوم شهر رمضان: لما تعين له وقت الأداء، ثم فات الوقت لا يجب متتابعًا؛ بل يجوز متفرقًا، كذا هذا، ولا يتصور المسألة في الإعتاق؛ لأنه لا يتجزأ عنده.
ولا خلاف أنه إذا جامع بعدما أطعم ثلاثين مسكينًا أنه لا يلزمه استئناف الطعام، ولا خلاف أنه إذا جامع قبل الكفارة لا يلزمه شيء سوى التوبة والاستغفار في قول عامة الفقهاء.
وعند بعضهم يلزمه كفارتان.
لأبي يوسف - رحمه اللَّه - ما ذكرنا، ولأنه قد رأى أداء بعضها في الوقت وبعضها في غير الوقت أولى من أداء الكل بعد الوقت؛ ولهذا المعنى في الطعام كذلك.
ولأبي حنيفة - رحمه اللَّه - أن الظهار ليس يوجب الكفارة؛ ولكن يوجب حرمة لا