الكفارة، وإلا فلا، واللَّه أعلم.
ثم لا يجوز إعتاق الأعمى والمقعد ومقطوع اليدين ونحو ذلك عن الكفارة، ويخرج على هذين المعنيين: أما على الأول: أنه وإن ارتفع النقص الحاصل في نفسه بسبب العبودة عند وجود الإعتاق إلا أن العيب لا يزال قائمًا فلا يجوز لا للنقصان لكن لأنه يصير معتقًا ببدل، والإعتاق ببدل لا يجوز عن الكفارة، وإن كانت الرقبة بصفة الكمال.
ومعنى قولنا: إنه يصير معتقًا ببدل: أنه ما دام في ملكه على تلك الحال، فإن مؤنته تلحقه، وبالإعتاق تسقط مؤنته عن نفسه، وتلحق تلك المؤنة المسلمين؛ فلم تجزئ عن الكفارة لهذا.
وأما على الثاني: فلا يلزم على الوجهين جميعًا أما على الأول: فلأنه لا يفجع ولا يتألم نفسه بإعتاق مثله؛ لما ليس له منفعة الخدمة؛ ليتألم بفوتها، وعلى الثاني: لما ليس له منفعة تؤمل في المآل؛ فيتألم بذلك - أيضًا - ولا يلزم الصغير على هذا العذر؛ لأنه ليس له منفعة الخدمة ونفقته عليه أيضًا، ومع ذلك يجوز إعتاقه عن التكفير؛ لأنا نقول: إنه إنما ينفق على الصغير، لما تؤمل منفعته في العاقبة، والناس إنما يربون الصغار والصغائر، وينفقون عليهم؛ لينتفعوا بإيمانها وإعتاقها في العواقب؛ فلم يصر عتقه عن هذا الوجه ببدل، والتألم في عتقه موجود، وحسب ما كان في الكبير أو أكثر.
والأعور، ومقطوع إحدى اليدين وإحدى الرجلين يجوز عن الكفارة فإنه يمكنه الاكتساب؛ فيتألم مولاه بإعتاقه؛ لما فيه ذهاب منفعته؛ فيصلح أن يكون كفارة لما ارتكب من الشهوة، ولما قدمنا من جبر ذلك النقصان وارتفاعه بالعتق، واللَّه أعلم.
وذكر عن الشافعي أنه لا يجيز عتق الرقبة الكافرة عن الكفارة، واحتج بذكر اللَّه - تعالى - في كفارة القتل الرقبة المؤمنة، فكذلك في كفارة الظهار؛ إذ هما كفارتان.
ولكن نحن نقول: هذا على أصل مذهبه خطأ؛ لأن مذهبه العموم يعم كل رقبة في دار الدنيا، والأصل في ذلك عندنا أن اللَّه - تعالى - ذكر في كفارة الظهار الرقبة المؤمنة؛ فلا يجوز أن نوجب ما ذكره في كفارة القتل هاهنا؛ والدليل عليه: أنه ذكر في تلك الآية الأشياء، وهو قوله - تعالى -: (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ)، فذكر الدية، ثم ذكر الدية في آية القتل - لم يوجبها على المظاهر؛ إذ ترك ذكرها في آية الظهار، ومثله في القرآن كثير.
وأيضًا: إن أحق ما يجوز في الكفارة إعتاق الرقبة الكافرة؛ وذلك لما أن المسلم قد يتألم بإعتاق الرقبة الكافرة، ولا يتألم بإعتاق المسلمة؛ لما يأبي طبعه الإحسان إلى