ما يذكره في كل وقت؛ لأن الرجل إذا ذهب ماله لا يزال يذكره كالمتلذذ به والمتنعم.
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ)، أي: تلاومون.
وفي حرف ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (فصرتم تفكهون)، وقوله: (فَظَلْتُمْ) يستعمل في زمان النهار دون الليل.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67) أي: فظلتم تقولون: إنا لمغرمون.
ثم اختلف فيه:
قيل: إنا لمعذبون بقوله: (إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا).
وقيل: إنا المذمومون الملقون للشر، ونحو ذلك، لكنه من الغرم الظاهر؛ لأن مرتجعه خسران في ماله، أو هلاك يلحقه الغرامة؛ لما يحتاج إلى غيره، وأصله كأنه يقول - واللَّه أعلم -: لو جعله حطاما يابسا لا تنتفعون به، ظلتم تقولون: (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ).
وقوله: (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) قيل: المحروم: هو الذي ينتفى عنه المال أو ما ينتفع به.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: محدودون.
وقيل: محاربون.
لكن المحروم ظاهر، لا يحتاج إلى التفسير، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) يذكر نعمه عليهم بما أنزل لهم من الماء العذب فيشربون، وأخبر أنه لو شاء، لجعله أجاجا مالحًا ما يهلك الأنفس، ولا تقوم به، وكذلك قوله: (لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا) حتى يخرج من أن يكون غذاء فيه، ولكن بفضله ورحمته أبقى لهم ذلك أغذية وأشربة؛ ولذلك قال في آخره: (فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70) أي: هلا تشكرون ما أنعم عليكم؟
ثم في هذه الآية دلالة نقض قول المعتزلة في أفعال العباد؛ حيث قال: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ. أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ)، والإمناء: هو فعل العبد؛ إذ هو دفق المني، ثم أخبر أنه هو خالق ذلك؛ حيث قال: (أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ)، وكذلك الحراثة والزراعة فعل العباد، وأخبر أنه خالق ذلك.
وفي قوله تعالى: (لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا) و (أجَاجًا) نقض قولهم في الأصلح؛