وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى ... (62) فهو على ما ذكرنا: إنكم لما عرفتم أنه هو الذي أنشأكم النشأة الأولى لا عن أصل سبق، لا يحتمل أن يعجز عن النشأة الآخرة؛ لأنها مثل الأولى؛ بل في وهمكم أسهل وأهون.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ) يخرج على ما ذكرنا: هلا تذكرون وحدانيته وربوبيته.
أو هلا تذكرون أن قادر على البعث.
أو هلا تذكرون أنه هو المستوجب لشكر ما أنعم عليكم، وهلا تذكرون نعمه وإحسانه.
ومن الناس من قال: النشأة الأولى هاهنا نشأة آدم - عليه السلام - وخلقه؛ أي: علمتم نشأته لا عن أصل ولا احتذاء لغير، فمن قدر على ذلك فهو على النشأة الأخرى لقادر، وعلى تقدير وهمكم أقدر، واللَّه الموفق.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) جائز أن يكون هذا صلة ما تقدم من قوله: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ)، كأنه يقول: أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تخلقون الزرع أم نحن الخالقون له؟ فيكون فيه الذي ذكرنا في ذلك، واللَّه أعلم.
والثاني: أفرأيتم ما تحرثون أأنتم جعلتم الحراثة بحيث تنبت أم نحن الجاعلون بحيث تنبت؟
ثم قال: (لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا ... (65) أي: يابسا.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: أي: متكسر؛ يذكر نعمته التي أنعمها عليهم؛ يقوله: هو الذي جعله بحيث ينتفع به ويبقى، ولو شاء لجعله بحيث لا ينتفع به، ويخبر عن قدرته: أنه قادر على الإنبات، وعلى الإهلاك؛ فعلى ذلك قادر على الإنشاء والإعادة.
وأهل التأويل يقولون: أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تنبتونه أم نحن المنبتون، وأصله ما ذكرنا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) قيل: تعجبون.
وقيل: تندمون، وهي لغة عكيل.
وقال أبو بكر الأصم: أي: صرتم تتنعمون وتتلذذون؛ كما يقول الرجل لآخر: لو أخذت مالك أو سلبته صرت غنيا أو استغنيت.
ولكن لا ندري أيقال ما ذكر أم لا؟ فإن كان يقال ذلك، يصير تقديره كأنه يتلذذ؛ لكثرة