(71)

(72)

(73)

فإنه يقال لهم: إن قوله: لو شاء لجعله كذا، ثم لم يفعل ذلك، فقد ترك الأصلح لهم، أو يكون الأصلح لهم في إبقاء ذلك؛ فيصير كأنه قال: لو شاء لجعل ما هو حق وعدل جورا، ولا يجوز أن يقال: إن اللَّه تعالى لو شاء أن يجور لجار؛ فعلى أي الوجهين حمل، كان في ذلك نقض مذهبهم.

وفي قوله تعالى: (قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ) نقض قولهم من أن المقتول لم يمت بأجله؛ لأنه - تعالى - أخبر أنه قدر الموت بينهم، وعندهم: أن من قتل لم يمت بما قدر الله تعالى، ولم يمت بأجله، وقد أخبر أنه هو قدر ذلك، وأنه لا يسبق في ذلك بقوله: (وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ)، ولو كان على ما تقوله المعتزلة يموت قبل أجله، فقد قالوا: إنه لم يقدر له الموت، وأن القاتل قد سبقه ومنعه عن وفاء ما جعل له من الأجل والبلوغ إلى ذلك الأجل الذي جعل له وكذبه في خبره: أنه يبلغ إلى ذلك الأجل، واللَّه الموفق.

ثم قوله: (أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ) اختلف في تأويل المزن: قال عامة أهل التأويل والأدب: المزن: هو السحاب.

وقال أبو بكر الأصم: المزن: هو الماء العذب؛ فعلى قوله يكون حرف (مِن) صلة، كأنه قال: أأنتم أنزلتم المزن.

والظاهر ما ذهب إليه أُولَئِكَ: أنه ينزل من السحاب، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) قَالَ بَعْضُهُمْ: توقدون.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: تقدحون، يقال: قدحت النار، وأوريتها: أي أخرجتها؛ يقال: ورت الناس تري وريا؛ فهي وارية، أي: أضاءت.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (72) قيل: هي الشجرة التي تجعل حطبا، وتوقد بها النار وتحرق.

وقيل: هي الشجرة التي فيها النار، وهي التي يتخذ منها الزيوت، والأول أقرب، والله أعلم.

وقوله: (نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73) قال بعض أهل التأويل: أي: جعلنا هذه النار تذكرة للنار الكبرى، وهي نار الآخرة.

ويحتمل أن يكون (نَحْنُ جَعَلْنَاهَا)، أي: هذه النعم الحاضرة تذكرة للنعم الموعودة.

أو جعلنا هذه الشدائد والبلايا في الدنيا تذكرة لما أوعدنا في الآخرة، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ) قال بعض أهل التأويل: أي متاعا للمسافرين، خص المسافرين، لنزولهم القواء، وهو القفر؛ وهو قول الْقُتَبِيّ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015