(28)

الذي أمر به، وهو كما أمر إبراهيم عليه السلام بذبح ولده، ثم كان حقيقة المراد بالأمر بذبح الولد ذبح الشاه والكبش؛ دل أن الأمر بالشيء لا يدل على أنه أراد الذي أمره به، بل يريد ما علم أنه يكون منهم من خلافه وضده، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28).

أي: أرسله بالهدى من كل ضلال أو حيرة.

أو أرسله بالبيان من كل عمى وشبهة، وهو هذا القرآن الذي سماه مرة: هدى، ورحمة، ونورا، ونحو ذلك، وهو ما وصفه - عَزَّ وَجَلَّ - أن من تمسك به يكون ما ذكر هدى من كل ضلالة وحيرة، ونورا من كل ظلمة، وبيانا من كل عمى وشبهة، ولا قوة إلا باللَّه.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَدِينِ الْحَقِّ).

جائز أن يكون الحق هو نعَت الدِّين وهو الإسلام، وهو الدِّين الحق، وسائر الأديان باطلة.

ويحتمل أن يكون قوله تعالى: (وَدِينِ الْحَقِّ)؛ أي: دين الإله الذي هو الإله الحق، وهو الإله المستحق الألوهية وغيره من الأديان دين الشيطان، ولا قوة إلا باللَّه.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ).

الإظهار: هو الغلبة، ثم تخرج غلبته على الدِّين كله على وجهين:

أحدهما: أي: غلب هذا الدِّين على الأديان كلها بالحجج والبراهين أنه حق، وأنه من عند اللَّه جاء، وقد كان بحمد اللَّه كما ذكر، حتى عرف أهل الأديان كلها بالحجج والبراهين أنه حق إلا من كابر عقله وعاند الحق أو غفل عن دلائله، ولا قوة إلا باللَّه.

والثاني: يغلب على الأديان كلها، أي: يغلب على أهل الأديان كلهم حتى يصير أهل الإسلام ظاهرين غالبين من بين غيرهم، ويتوارى جميع أهل الأديان ويختفوا، ولكن ذلك في وقت دون وقت، وهو الوقت الذي ذكره بعض أهل التأويل، وهو في وقت خروج عيسى - عليه السلام - يصير أهل الأديان كلهم أهل دين واحد وهو الإسلام.

وجائز أن يكون قوله: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)، أي: يظهر ما يحتاج أهل هذا الدِّين كله وما يحدث لهم من الحاجة - على الأديان كلها، بما ضمن في القرآن معاني تقع الكفاية بها في الحوادث كلها، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا).

هذا يحتمل وجهين:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015