أحدهما: (وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) بأن ما جاء به سيدنا مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، إنما جاء به من عند اللَّه، فإن كان التأويل هذا، فإنما تكون هذه الشهادة في الآخرة.
والثاني: يحتمل قوله تعالى: (وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) بما أنشأه له من الآيات والحجج شهادة منه على رسالته ونبوته، وذلك في الدنيا، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ).
من الناس من احتج على تفضيل مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - على غيره من الأنبياء - عليهم السلام - بهذه الآية وبغيرها من الآيات يقول: لم يُذكر مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في القرآن إلا وخاطبه باسم الرسالة والنبوة؛ كقوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ)، و (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ)، وقوله: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) ونحو ذلك، وسائر الأنبياء - عليهم السلام - إنما خاطبهم بأسمائهم التي جعلت لهم خلقة دون ختم الرسالة والنبوة، كقوله: (يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا)، و (يَا لُوطُ)، و (يَا مُوسَى)، و (يَا هَارُونُ)، و (يَا هُوُدُ)، و (يَا صَالِحُ)؛ جميع من ذكرهم سواه إنما ذكرهم بأسمائهم الموضوعة في أصل الخلقة، ولم يجلُّوا ولم يسموا بأسماء الرسالة والنبوة؛ وذلك لفضل جعل له من بين غيره، وكذلك يحتج لتفضيل أمته وأصحابه على سائر الأمم حيث خاطب هذه الأمة بأحسن الأسماء فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)، وقوله: (أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ)، وقال في سائر الأمم: (يَا بَنِي آدَمَ)، ونحو ذلك، ومما يدل على فضيلتهم قوله - تعالى -: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ. . .) الآية؛ أي: كنتم خير أمة في الكتب المتقدمة بما ذكر، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ. . .) الآية، ما وصفهم ونعتهم يرجع إلى أصحابه على الاجتماع، أي: الكل موصوفون بهذه الصفات التي ذكر في الآية، وأنها كلها فيهم، وهو كقوله - تعالى - في صفتهم: (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ)، أي: أشداء على الكفار، ورحماء على المؤمنين، وصفهم بذلك جملة، فعلى ذلك هاهنا.