وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا).

هذا يخرج على وجوه:

أحدها: أي: علم ما وعد لكم من فتح خيبر وغنائمه ما لم تعلموا.

ويحتمل: أي: علم ما أرى وصوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - من الرؤيا وتحقيقها ما لم تعلموا.

ويحتمل: أي: علم في رجوعكم عن الحديبية أشياء لم تعلموها أنتم من إظهار ما أظهر من نفاق أهل النفاق فيهم، وأهل الاضطراب من المحققين والمصدقين وغير ذلك، واللَّه أعلم.

وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قوله تعالى: (فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا) يقول: إن ذلك الدخول أي سنة؟ ولم تعلموا أنتم، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا).

قَالَ بَعْضُهُمْ: جعل من قبل أن يدخلوا مكة (فَتْحًا قَرِيبًا)، أي: عاجلا فتح خيبر، واللَّه أعلم.

وقول أهل التأويل: إنه اشتد على الناس رجوعهم من الحديبية وصدهم المشركون عما قصدوا، بعدما أخبرهم الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه رأى في المنام أنهم يدخلون على ما وقع عندهم أن رؤيا الأنبياء - عليهم السلام - حق كالوحي.

لكن هذا لا يحتمل من المسلمين ما يحتمل من المنافقين على ما ذكر أنهم قالوا حين أخبر رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بالحديبية أن الرؤيا كذب أو كلام نحوه؛ فكل هذا يحتمل من المنافقين، فأما من المسلمين فلا يحتمل أن يقع في قلوبهم شيء من ذلك؛ لما لم يكن في الآية بيان ولا توقيت أنهم متى يدخلون؟ بل فيها الوعد بالدخول ليس فيها أنه متى؟ ألا ترى أن يوسف - عليه السلام - رأى رؤيا وخرجت بعد أربعين سنة أو أقل أو أكثر؛ فعلى ذلك لا يحتمل أن يخفى عليهم إذا لم يكن في الوعد توقيت أنه يجوز أن يتأخر أو يتقدم، واللَّه أعلم.

ثم فيما ذكرنا من أمر الحديبية وصد المشركين إياهم عن دخول مكة والحيلولة بينهم وبين ما قصدوا - أنه لا يحتمل أن يخرج رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ لقصد الحج وزيارة البيت مع أصحابه بلا أمر منه بذلك؛ لما ذكرنا، ثم إن ثبت له الأمر بذلك على علم من اللَّه تعالى أنه لا يصل إلى تحصيل المأمور به وما قصدوا من دخول مكة زائرين، وما يكون من المشركين من المنع لهم والصد عن ذلك، وما أرادوا تحصيل ما أمرهم بذلك، فهذا دليل على أن اللَّه تعالى قد يأمرهم ويريد غير الذي أمر به، وأنه يريد ما علم أنه يكون منهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015