وجائز أن يكنى ببطن مكة؛ أي: قربها.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (بِبَطْنِ مَكَّةَ) أي: الحرم، والحرم كله مكة، والوجه فيه ما ذكرنا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا) لم يزل اللَّه - تعالى - عالمًا بأعمالهم، بصيرًا.
وفيه دلالة خلق أفعالهم؛ لأنه ذكر أنه كف أيدي هَؤُلَاءِ عن أُولَئِكَ وأيدي أُولَئِكَ عن هَؤُلَاءِ، ثم قال: هو عالم بما تعملون بصيرًا؛ ليعلم أن له في فعلهم صنعًا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ... (25) أي: صدوهم عما قصدوا، وهو الطواف بالبيت والزيارة له، وذلك في المسجد الحرام؛ ذكر صدهم عن المسجد الحرام وصدوهم عما فيه، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) وقوله: (مَعْكُوفًا) هو أي: محبوسًا، والمعكوف هو الحبس، ومنه سمي العاكف والمعتكف.
ثم قوله: (وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) محل دم هدي المتعة هو مكة أو منى، فأما الحرم نفسه فليس هو محله؛ فكأنه قال: وصدوا الهدي عن أن يبلغ محله الذي جعل لهدي المتعة وهو منى أو مكة؛ لأنه ذكر في الخبر أنه كان - عليه السلام - معتمرًا، وذكر أنه كان متمتعًا، وفيه أن دم المتعة إن منع عن محله سقط، وخرج عن حكم المتعة، ويعود إلى مكة، وله أن يصرفه إلى ما شاء؛ ألا ترى أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - نحر تلك البدن التي ساقها عن الإحصار في الحرم؛ دل أن هدي المتعة إذا منع عن المحل سقط، ويخرج عن حكم المتعة.
وفيه أن دم الإحصار لا يجوز إراقته إلا في الحرم؛ إذ الحديبية تجمع الحرم والحل جميعًا عندنا، فإنما كان نحرها في الحرم، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ) أي: تقتلوهم وتهلكوهم (فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي: لولا ما فيها -أعني: في مكة- من رجال مؤمنين ونساء مؤمنات، لأتم لكم الظفر بهم، ودخلتم عليهم، لكن منعكم عن دخولكم مكة؛ لما ذكر.
ثم اختلف في قوله - تعالى -: (فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: لزمكم الدية بقتلهم، وكذا روي عن مُحَمَّد بن إسحاق.