رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (27) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ ... (24) مع كثرة أُولَئِكَ، وقوتهم، وتأهبهم للقتال، وضعف هَؤُلَاءِ وقلة عددهم؛ لأن أُولَئِكَ كانوا خرجوا للقتال والحرب، مستعدين لذلك، متأهبين، وهَؤُلَاءِ كانوا خرجوا لقضاء المناسك وزيارة البيت، فكف أيدي أُولَئِكَ مع عدتهم وقوتهم وكثرتهم عن هَؤُلَاءِ مع ضعفهم وقلة عددهم، حتى أظفرهم بأُولَئِكَ بما ذكر في القصة أن المسلمين كانوا اشتغلوا بالترامي بالنبل والحجارة حتى هزموهم وأدخلوهم بطن مكة؛ على ما ذكر، ثم أظفرهم بهم، كف أيدي هَؤُلَاءِ عنهم ويتم لهم الظفر بهم؛ ليعلم هَؤُلَاءِ أن التدبير في الأمر إلى اللَّه - تعالى - دونهم، وله السلطان على الخلق جميعًا، لا سلطان لأحد في سلطانه، ولا قوة إلا باللَّه.
وأما ما ذكر من الامتنان هو ما ذكر من كف أيدي أُولَئِكَ عن هَؤُلَاءِ عند شدة خوفهم منهم وفزعهم بما ذكرنا من قوة أُولَئِكَ وكثرتهم، وضعف هَؤُلَاءِ وقلة عددهم، حتى أظفرهم؛ يذكر منته عليهم؛ ليستأدي شكره، ويكف أيدي هَؤُلَاءِ عنهم.
فَإِنْ قِيلَ: ما كف أيدي أُولَئِكَ عن هَؤُلَاءِ، المنة ظاهرة، ولكن أية منة تكون في كف أيدي المؤمنين عن أُولَئِكَ الكفرة؟ فيقال: جائز أن تكون المنة في كف أيدي المؤمنين عن أُولَئِكَ الكفرة؛ ليستأدي منهم شكره بذلك، وهو الإسلام لله - تعالى - على جميع خلقه منة؛ ليستأدي منهم شكرًا على الكافرين والمسلمين جميعًا.
ويحتمل أن تكون المنة في كف أيدي المؤمنين عن أُولَئِكَ على المؤمنين - أيضًا - هو ما ذكر على إثره: (وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ) أنه لو لم يكف أيدي المؤمنين عنهم حتى يتم لهم الظفر بهم فدخلوا مكة وهنالك مؤمنون لأصابهم ما ذكر من المعرة وغيره، فكان في كف أيدي المؤمنين عن أُولَئِكَ منة عظيمة عليهم؛ لما بينا من قبل من فيها من المؤمنين من غير علم، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بِبَطْنِ مَكَّةَ) وهم لم يكونوا في بطن مكة، إنما كانوا بالحديبية، وبينها وبين مكة أميال، لكن يخرج على وجهين:
أحدهما: أظفرهم بهم وقهرهم وهزمهم حتى أدخلهم بطن مكة؛ على ما ذكر أنهم هزموهم حتى أدخلوهم في بيوت مكة.
والثاني: ببطن مكة؛ أي: بقرب مكة.