لك؟!

أو كيف تحتمل عقولهم عصيانًا -مع عظم نعمتك عليهم- ونحن معاشر الملائِكة تأْبى علينا العقول ذلك؟!

فقال اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ). .

أَي: أَمْتحنهُم مع ما ركب فيهم من الشهوات التي -لغلبتها على أَنفسهم- تعتريهم أَنواع الغفلة، ويصعب عليهم التيقظ؛ لكثرة الأَعداءِ لهم، وغلبة الشهوات؛ فلما عظمت المحنة عليهم يكون منهم ذلك.

وهذا الوجه يخرج على سؤال الحكمة في خلق من يعصيه.

فأخبر أَنه يعلم ما لا تعلمون؛ إذ بذلك بيان الأَولياءِ والأعداءِ، وبيان أن اللَّه لا يخلق من يخلق لحاجته له، أو لمنفعة له؛ إذ لو كان كذلك لم يخلق من يخالفه في الفعل الذي أُمِر به.

وإنما خلق الخلق بعضهم لبعض عِبرًا وعِظةً؛ فيكون في عقوبة العُصاة ووعيدهم مَزْجَز لغيرهم وموعظة، ولغير ذلك من الوجوه.

والوجه الآخر: أَن يكون المعنى من قوله: (أَتَجْعلُ فِيهَا) على الإيجاب، أَي: أَنت تفعل ذلك؛ إذ ليس عليك في خلق من يعصيك ضرر، ولا لك في خلق من يطيعك نفع، جل ثناؤك، من أَن يكون فعلك لأحد هذين.

وذلك كقوله: (أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ. . .) الآية. على إيجاب ذلك، لا على الاستفهام.

مع ما يحتمل أن الأَلف زائِدة؛ كقوله: (أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ) وقوله: (أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) بمعنى: إنكم تريدون، وذلك يرجع إلى الأول.

وقال:؛ معنى قوله: (إنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ): أن اللَّه قد كان أخبرهم عن الذين يفسدون، ولم يكن أَعلمهم ما فيهم من الرسل والأَخيار، فهو يعلم ما لا تعلمون من الأَخيار فيهم؛ ولذلك ذكَّرهم عند سؤال الإنباءِ بما أَعلمهم من عظيم امتنانه على آدم أَن جعله بمعنى نبيء إلى الملائكة بما علمهم الأسماء.

ولم يكن بلغ توهمهم أَن في البشر ما يحتاج المخلوقون من النور -الذي هو سبب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015