رفع الأستار عن الأَشياءِ، وجلاء الأَشياءِ به- ثم يحتاجون في اقتباس العلم إلى من هو من جوهر التراب والماءِ الذي هو أصل الستر والظلمة.

فأَراهم اللَّه بذلك ليعلموا أن ليس طريق المعرفة، والعلم بالأَشياءِ الخلقة، ولكن لطفُ اللَّه وامتنانُه، ولا قوة إلا باللَّه.

وقال قوم: كان منهم من استحق العتاب من طريقِ الخطر بالقلوب، لا من طريق الزلة -التي هي العصيان- ولكنهم يعاتبون على أمثال ذلك -وإن لم تبلغ بهم المعصية- لعلو شأْنهم، ولعظمِ قدرهم.

كما قد عاتب اللَّه نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في أشياءَ وإن لم يكن ذلك منه معصية؛ كقوله تعالى: (عَفَا اللَّهُ عَنك. . .) الآية.

وقوله: (وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ).

وقوله: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ. . .) الآية. ولم يكن إثم في ذلك، وقال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ. . .) الآية؛ لأنه، من غير أَن كان منه عصيان؛ فمثل ذلك أمر الملائِكة.

ثم تكلموا في معنى ذلك:

فمنهم من يقول: ظنوا أنهم أكرم الخلق على اللَّه، وأَنه لا يُفَضِّل أَحدًا عليهم.

ومنهم من يقول: ظنوا أَنهم أعلم من جميع من يخلق من جوهر النار أَو التراب؛ من حيث ذكرت من جوهرهم، أَو لعظم عبادتهم لله، وعلمهم بأن في الجن والإنس عصاة؛ فلهذا امتحنهم بالعلم، ثم بالسجود؛ لإظهار علو البشر وشرفه، وعظم ما أكرموا به من العلم.

ومنهم من أيقول: ظنوا أنهم فضلم ابفعلهم:، (دنتحُ مجَتدِكَ وَنُقَذِسٌ لَك).

وقوله: (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً).

قال قوم: يريد به آدم عليه السلام، يخلف الملائكة في الأرض ومن تقدمه من الجان.

وذلك بعيد؛ كأنهم قالوا: (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا) ولم يكن آدم - عليه السلام - بالذي كان يفسد في الأرض، ويسفك الدماء، بل كان يسبح بحمده ويقدس له.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015