(37)

والثاني: أمر بها خصوصًا للمساجد؛ إذ غيرها من البيوت المسكونة إنما اتخذت وبنيت بالإذن والإباحة، فخص المساجد بالإذن ببنائها خصوصًا لها؛ إذ لو كان إذنًا على ظاهر ما ذكر، لكان المساجد وغيرها من البيوت سواء، واللَّه أعلم.

وقوله: (وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) فإن كان تأويل قوله: (أَنْ تُرْفَعَ) أي: تعظم ويرفع قدرها؛ فيكون قوله: (وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ) تفسيرًا لذلك التعظيم والقدر الذي أمر، أي: أمر أن تعظم، ويرفع قدرها بذكر اسم اللَّه فيها، وما ذكر من التسبيح.

وإن كان التأويل هو الأمر بالبناء يكون قوله: (وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا) كذا على الابتداء، أي: أمر أن نبني سويًّا مساجد، وأمر أن يذكر فيها اسمه، ويسبح له فيها بالغدو والآصال.

ثم اختلف في تلاوة قوله: (يُسَبِّحُ لَهُ):

قرأ بعضهم (يُسَبَّحُ لَهُ) بنصب الباء.

وقرأ بعضهم (يُسَبِّحُ) بخفض الباء.

فمن قرأها بالنصب صيره على الأول (ويذكر فيها اسمه يُسَبَّحُ لَهُ فيها بالغدو والآصال)، ثم ابتدأ فقال: (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ).

ومن قرأها بالخفض -أعني: خفض الباء- صيره مقطوعًا من الأول مبتدأ به، أي: يسبح له فيها رجال بالغدو والآصال، ثم ابتدأ من قوله: (لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ) ثم قوله: (وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) جائز أن يراد بذكر اسمه: الصلاة، وكذلك التسبيح.

ويحتمل أن يريد بذكر اسمه: جميع أنواع الأذكار من الخير.

ويراد بالتسبيح بالغدو والآصال: الصلاة المفروضة.

ثم قَالَ بَعْضُهُمْ: الغدو: صلاة الغداة، والآصال: صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء؛ فيجعل الأصيل عبارة عن هذه الصلوات في أوقاتها.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: الآصال: صلاة العصر خاصة، وأما غيرها من الصلوات فإنما عرف لا بهذا ولكن بشيء آخر، والغدو هو صلاة الفجر، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ ... (37) أي: لا تشغلهم تجارة ولا بيع، ذكر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015