وجلين خائفين على سلب ما هم عليه، وهكذا الواجب أن يكون الخوف على من نعمه عليه أكثر؛ فخوفه أشد.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: (وَاجْنُبْنِي) أي: باعدني، وجنبني أيضًا. وقَالَ الْقُتَبِيُّ: أي: جنبني وإياهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36)
نسب الإضلال إلى الأصنام - وإن لم يكن لها صنع في الإضلال لأنهم بها ضلوا، وكانت الأصنام سبب إضلالهم، وقد تنسب الأشياء إلى الأسباب، وإن لم يكن للأسباب صنع فيها نحو ما ذكرنا من قوله: (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ. . .)، والسورة لا تزيدهم رجسًا، لكن نسب الرجس إليها لما كانت هي سبب زيادة رجسهم، وهو أنها لما نزلت يزداد لهم بها تكذيبًا وكفرا بها، فنسب ذلك إليها، فعلى ذلك الأول.
والثاني: ينسب إلى الأحوال التي كانت بها؟ ما لو كانت تلك بذوات الأرواح، لكانت تضل وتغوي كذي الروح، ممن يكون منه الإضلال، لأنها تزين وتحلى بالأشياء؛ نحو ما نسب الغرور إلى الدنيا؛ وإن كانت الدنيا لا تغر؛ لأنها تكون بحال لو كانت تلك الأحوال من ذي الروح لكان ذلك تغريرًا، فعلى ذلك نسبة الإضلال إلى الأصنام. واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي).
يشبه أن يكون (مِنِّي): أي: موافقي في الدِّين، أو في الولاية، وحاصله - والله أعلم -: معي في الدِّين وفي أمر الدِّين، وكذلك معنى ما روي:، " من غشَّ فليس منا " أي: ليس بموافق لنا، أو ليس معنا، أو ليس من ملتنا، وكذلك قوله: (فَإِنَّهُ مِنِّي) أي: من ملتي.
وحاصله: فمن تبعني وأجابني فيما دعوته إليه وأمرته به فإنه مني؛ أي: مما أنا عليه، وكذلك قوله: " من غشَّ فليس منا " أي: ليس مما نحن عليه.