وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
يشبه قوله: (وَمَنْ عَصَانِي) ليس عصيان شرك، ولكن عصيان ما دون الشرك؛ فإنه غفور رحيم. أو من عصاني فإنك غفور؛ أي: ساتر عليه الكفر إلى وقت معلوم؛ إذ الغفران: هو الستر؛ فستر عليه إلى أجل؛ كقوله: (إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ) أو يقول: (وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ): أي: تمكن له من التوبة والإسلام؛ فيسلم ويتوب؛ فتغفر له ما كان منه من العصيان؛ وترحم عليه.
وقوله: (وَمَنْ عَصَانِي) فيما دعوته إليه وأمرته به (فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) تمكن له من التوبة، والرجوع عما كان؛ فتغفر له وترحمه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)
لا يحتمل أن يكون قال هذا أول ما قدم تلك البقعة؛ لأنه قال: (عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) ولا بيت هنالك، دل أنه إنما دعا بهذه الدعوات: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي) وما ذكر (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا. . .)، إلى آخر ما ذكر؛ بعد ما رفع البيت. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي) دل أنه إنما أسكن بعض ذريته؛ لم يسكن ذريته كلها؛ حيث قال: (مِنْ ذُرِّيَّتِي).
قد امتحنه اللَّه بمحن ثلاثة؛ لم يمتحن بمثلها أحدًا من الأنبياء:
أحدها: امتحنه بإسكان ولده بواد غير ذي زرع؛ وغير ذي ماء، مما لا يحتمل قلب بشر تركه في مثل ذلك المكان مثله، دل أنه إنما فعل بأمر من اللَّه تعالى.
والثاني: امتحنه بذبح ولده حتى إذا أشرف على الهلاك - فداه اللَّه تعالى بكبش.
والثالث: امتحنه بإلقائه في النار؛ فألقى حتى إذا أشرف على الهلاك - جعلها الله