من ذلك قوله: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ)، و (لِلْمُوقِنِينَ)، و (لِلْمُتَّقِينَ)؛ ونحوه. واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6)
يشبه أن يكون هذا على الإضمار؛ وهو ما ذكر في آية أخرى؛ أي: اذكروا نعمة اللَّه عليكم (إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا. . .) الآية.
واذكروا أيضًا: (إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ) قيل يعذبونكم (سُوءَ الْعَذَابِ).
وقال قائلون: يكلفونكم سوء العذاب (وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ).
السوم: الإذاقة والتعريض؛ يقال: سامني كذا: أي: أذاقني وعرضني، ويقال: سمت الدابة على الحوض: أي: عرضتها.
(وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) هذا أيضًا قد ذكرناه؛ فيما تقدم في سورة البقرة والأعراف. واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)
قَالَ بَعْضُهُمْ: (وَإِذْ تَأَذَّنَ) قال ربكم. وقيل: إذ أعلم ربكم وأخبر، والعرب ربما قالت: أفعلت في معنى تفعلت؛ فهذا من ذلك، ومثله في الكلام: أوعدنى وتوعدنى؛ وهو قول الفراء، وحقيقته: وعد ربكم أو كفل ربكم؛ لئن شكرتم لأزيدنكم، لم يقل: لئن شكرتم نعمة كذا، ولا بيِّن أي نعمة: النعم كلها، أو نعمة دون نعمة، ولا قال: شكرتم بماذا، وقال لأزيدنكم؛ لم يذكر الزيادة في ماذا؛ ومن أي: شيء هي.
فيشبه أن يكون قوله: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ) بالتوحيد؛ أي: وحَّدتم اللَّه في الدنيا؛ فيما خلقكم خلقًا؛ وركب فيكم ما تتلذذون وتتنعمون في الدنيا؛ وفيما قومكم من أحسن تقويم. (لَأَزِيدَنَّكُمْ) النعم الدائمة في الآخرة؛ فيصير على هذا التأويل كأنه قال: لئن أتيتم شاكرين في الآخرة لأزيدنكم النعم الدائمة، وإلى هذا يذهب ابن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ أو قريب منه؛ ألا ترى أنه قال:
(وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) أي: ولئن كفرتم ولم توحدوه؛ وأشركتم غيره فيه؛