وصرفتم شكر تلك النعم إلى غيره إن عذابي لشديد.
ويحتمل أن يكون كل نعمة يشكرها يزيد له من نوعها في الدنيا؛ ويدوم ذلك له.
وفي قوله: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) لطف وفضل؛ لأن الشكر هو المجازاة والمكافأة لما سبق، واللَّه تعالى لا يكافئ فيما أنعم؛ لأنهم يستزيدون لأنفسهم الزيادة بالشكر الذي ذكر؛ فهو ليس بشكر في الحقيقة، لكن هذا منه لطف، ذكره؛ وهو كما قال الله تعالى: (وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا. . .) الآية، وقال: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ. . .) الآية، فهذه الأنفس والأموال في الحقيقة لله؛ ليست لهم؛ فهم فيما يقرضون، يقرضون لأنفسهم، وكذلك في الشراء يشترون لأنفسهم من مولاهم، لكنه ذكر شراه من أنفسهم؛ لطفًا منه وفضلا؛ فعلى ذلك فيما ذكر من الشكر له يطلبون الزيادة لأنفسهم؛ لطفًا منه، وإن كان الشكر في الظاهر موضوعه المكافأة لما سبق، فهو فيما بين الرب والعباد ليس بمكافأة؛ ولكن سبب الزيادة، ولكن سمي شكرًا؛ لطفًا منه وفضلا على ما ذكر التصدق قرضًا؛ واللَّه أعلم، ألا ترى أنه قال: (إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8) أي: غني بذاته، ليس يأمر ما يأمر لحاجة نفسه، ولا لمنفعة له، ولكن ما امتحنكم إنما امتحنكم لحاجة أنفسكم، ولمنفعة أبدانكم. وقَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ) أي: غني، عن عبادة خلقه؛ حميد عند خلقه؛ وهو ما ذكرنا أنه ليس يأمرهم فيما يأمر لمنفعة نفسه أو لحاجة نفسه؛ ولكن لمنافع تحصل للخلق ولحوائج تبدو لهم، وكذلك النهي عما ينهى ليس ينهى لخوف مضرّة تلحقه؛ ولكن للضرر يلحقهم ولآفة تتوجه إليهم.
يخبر - عَزَّ وَجَلَّ - عن غناه؛ عما يأمر خلقه من طاعته وعبادته وتوجيه الشكر إليه.
والحميد: هو الذي لا يلحقه الذم في فعله، يقول - واللَّه أعلم -: إنهم وإن كفروا، وكان علم اللَّه منهم أنهم يكفرون؛ فعلمه بذلك لا يجعله في إنشائهم مذمومًا. واللَّه أعلم.