(34)

وعن بعضهم: أمانان أنزلهما اللَّه؛ أما أحدهما: فمضى، وهو نبي اللَّه، وأما الآخر: فأبقاه اللَّه - تعالى - بين أظهركم، وهو الاستغفار والتوبة.

وفي إثبات قول السفهاء ودعائهم بإمطار الحجارة عليهم، وجعل ذلك كتابًا يتلى عليهم في الصلوات - أوجه ثلاثة من الحكمة:

أحدها: تعريف لهذه الأمة المعاملة مع السفهاء عند ارتكاب المناكير من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أنهم إذا تمادوا في غيهم واستقبلوه بالمكروه والأذى ألا يترك الأمر لهم بالمعروف، ولا يؤيس من خيرهم اقتداء بالنبي أنه لم يترك دعاءهم، وأمرهم بالمعروف مع شدة سفههم وتمردهم.

والثاني: ليعلم الخلق أن حجة اللَّه تلزم العباد وإن كانوا قد جهلوه، إذا كان التضييع جاء من قبلهم في ترك النظر والتفكر؛ إذ لو علموا حقيقة العلم أنه الحق، لم يكونوا ليدعوا على أنفسهم بالهلاك.

والثالث: يكون فيه بيان.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ... (34)

أي: ما لهم من عذر في صرف العذاب عن أنفسهم؛ إذ قد كان منهم من أنواع ما كان لو كان واحد من ذلك لكانوا يستوجبون العذاب؛ من تكذيبهم الرسول والآيات التي أرسلها إليهم، وصدهم الناس عن المسجد الحرام، وهو مكان العبادة، وسؤالهم بقولهم: (فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)، أي: ليس لهم عذر في صرف العذاب عن أنفسهم، والاحتجاج على اللَّه أنه لم يرسل رسولاً بقولهم: (لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا. . .) الآية؛ بل أرسل إليهم الرسول، فكذبوه، وبعث إليهم الآيات فكذبوها، وصدّوا الناس عن المسجد الحرام، فلا عذر لهم في وجه من الوجوه أن يصرف العذاب عنهم، إلا أن اللَّه بفضله ورحمته يصرف العذاب عنهم ببركة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - واستغفار المؤمنين، وإلا قد كان منهم جميع أسباب العذاب التي يستوجبونه بها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015