وزعم بعضهم أن القارئ خفيا يسمى ناصتًا ومنصتًا، واستدل بما روي عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال كان رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إذا كبر سكت بين التكبير والقراءة، قلت: بأبي أنت، أرأيت سكاتك بين التكبير والقراءة، أخبرني ما تقول؟ قال صلى الله عليه وسلم: " أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المغرب والمشرق " وغير ذلك من الدعوات، فقال هذا القائل: قد سمى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ القارئ مخفيا ساكتًا، والصامت مثل الساكت، فيجوز أن يسمي صامتًا، وهو أن يقرأ مخفيًا، كما يسمى ساكتا.

قَالَ الْقُتَبِيُّ: غلط هذا القائل في تشبيه الصامت بالساكت؛ لأن الأسماء لا تقاس، قوله تعالى: وإنما يطلق في كل واحد منهما ما أطلقته اللغة فيه.

ومما يبين غلطه أن اللَّه يقول: (فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا)، فلو كان القارئ مخفيًا يسمى صامتًا ناصتًا ما كان مستمعًا، وإنَّمَا يكون مستمعًا صامتًا إذا صمت فلم يقرأ؛ فمن أطلق له أن يقرأ والإمام يقرأ فلم يستمع، ولا أنصت.

ومما يدل على غلطه -أيضًا- أن العلماء جميعًا ينهون المؤتم عن القراءة وإمامه يجهر بالقراءة، وإنَّمَا يأمر من يأمره بالقراءة خلف الإمام أن يقرأ إذا سكت إمامه، ويأمر هَؤُلَاءِ الإمام أن يقف ساعة إذا فرغ من قراءته حتى يقرأ المؤتمون، فلو كانوا يجعلون القارئ في نفسه والإمام يقرأ جهرًا صامتًا ما أمروه بتأخير القراءة حتى يفرغ إمامه من القراءة؛ فهذا يبين غلط المستدل بحديث أبي هريرة في استدلاله.

ومما يدل على أن المؤتم منهي عن أن يقرأ والإمام يجهر ما روي عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - صلى بهم صلاة - فظن أنها الصبح - فلما سلم أقبل على الناس، قال: " هل يقرأ أحد منكم؟! فقال رجل: أنا، فقال النبي: " إني أقول: ما لي أنازع القرآن " قال أبو هريرة: فانتهى الناس عن القراءة فيما يجهر فيه النبي صلى اللَّه عليه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015