(185)

وأنصار، أو رجل به جنون؛ لأنهم كانوا يقتلون من يخالفهم في شيء من الأمر، فلما رأوا رسول اللَّه خالفهم واستقبلهم بما يكرهون، ولم يروا ماله أنصارًا ولا أعوانًا ظنوا أنه لا يخالفهم إلا بجنون فيه، فنسبوه إلى الجنون لذلك، واللَّه أعلم.

ويحتمل أن تكون نسبتهم إياه إلى الجنون لما حرم عايهم عبادة الأصنام والأوثان التي كانوا يعبدونها، وهم قد رأوا العقلاء منهم قد عبدوا الأصنام ولم يحرموا ذلك، فلما حرم ذلك عليهم ظنوا أنه إنما حرم ذلك لآفة، لذلك حملهم بالنسبة إلى الجنون، واللَّه أعلم.

ثم عاتبهم بتركهم التفكر فيه بقوله: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ)؛ ليتبين لهم أنه ليس به جنون، وذلك يحتمل وجهين:

أنهم لو تفكروا في رسول اللَّه بما أخبرهم من المرغوب والمرهوب والمحذور في كتابهم على غير لسانهم، واختلاف منه إلى أحد منهم، ولا تعلم - لعلموا أنه رسول، وأن ما أخبر إنما أخبر باللَّه. أو أن يكون قوله: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ)، أي: قد تفكروا فيه وعرفوا أن ليس به جنون؛ وكذلك في قوله: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. . . . .) الآية، أي: قد تفكروا في ذلك، وعرفوا أن مثل هذا لم يخلق عبثًا باطلًا؛ كما يقال: أولم تفعل كذا، أي: قد فعلت، لكنهم عاندوا وكابروا آياته وحججه.

وأمكن أن يكون قوله: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا) أي: في أنفسهم، وفي أُولَئِكَ الذين عبدوا من الأصنام والأوثان؛ ليظهر لهم أنهم على باطل وسفه، وفي نبين لهم أن الحق هو ما يدعوهم إليه مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، لا ما كانوا هم عليه.

وفيه دلالة أن الحق يلزم وإن كان لا يعلم ذلك إلا بالتنكر والتدبر؛ لما لحق هَؤُلَاءِ من الوعيد الشديد والعقاب العظيم لما تركوا هم التفكر، وكان لهم سبيل الوصول إلى معرفة ذلك.

وقوله: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ) أنه ليس به جنة:! هذا جواب من اللَّه.

ويحتمل: لو تفكروا في صاحبهم، لعرفوا أنه ليس به جنة.

ثم أخبر أنه نذير مبين، ليس كما يقولون: إنه مجنون؛ إذ معه آيات وبراهين، فهو نذير مبين.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ... (185)

يحتمل هذا على الابتداء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015