ويحتمل على الصلة بالأول، وهو أنهم إذا تفكروا في ملكوت السماوات والأرض، عرفوا ألوهية اللَّه وربوبيته؛ لما يرون من اتصال منافع بعض ببعض على بعد ما بينهما، واتساق التدبير في ذلك، فعرفوا أن ذلك كله مسخر لمن له التمييز، وأن المقصود في خلقه أهل التمييز، فإذا عرفوا ذلك عرفوا أنهم يحتاجون إلى من يعرفهم ذلك، ويعلمهم ما يحتاجون في ذلك.

ويحتمل على ابتداء الأمر بالتفكر في ملكوت السماوات والأرض (وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ)؛ ليدلهم على وحدانية اللَّه، وربوبيته.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ).

كأن هذا نزل فيمن عرف صدقه، لكنه عاند في تكذيبه، فقال: (وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) يحذرهم؛ ليرجعوا إلى تصديقه، مخافة الخروج من الدنيا على ما هم عليه.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ).

هذا يتوجه وجهين:

أحدهما: أنكم ممن تقبلون الأخبار والحديث، فإذا لم تقبلوا حديث رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وخبره ولم تصدقوه، فبأي حديث بعده تقبلون وتصدقون، ومعه حجج وبراهين؟ والله أعلم.

والثاني: أن يكون قوله: (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) يعني، بعد القرآن يؤمنون، وهو كما وصفه: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ. . .) الآية، وقال: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ)، فإذا لم تقبلوا هذا ولم تصدقوه وهو بالوصف الذي ذكر، وأنتم ممن تقبلون الحديث، فبأي حديث بعده تقبلون.

وجائز أن يكون قوله: (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) يريد به في الآخرة؛ يقول: إذا اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون، أي: لا حديث بعده يؤمنون به، والتأويل الآخر في الدنيا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015