(183)

(184)

وقَالَ بَعْضُهُمْ: يظهر لهم النعم وينسيهم الشكر.

وجائز أن يكون ما ذكر من الاستدراج والمكر والكيد عبارة عن العذاب، أي: إن أخذي إياهم وعذابي شديد؛ حيث قال: (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ)، أي: عقوبتي شديدة.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183)

أي: كيدوه أنتم وأمهلهم وأكيد لهم؛ كقوله: (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا. . .) الآية. فيخرج قوله: (وَأَكِيدُ كَيْدًا)، مخرج جزاء كيدهم؛ وكذلك قوله: (وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا)، أي: جزيناهم جزاء مكرهم؛ وكذلك قوله: (سَنمَنتَذ جهُم)، أي: نجزيهم جزاء استدراج وما هو عندهم كيد، وكذلك نفعل بهم ما هو عندهم مكر وخداع، وإن لم يكن من اللَّه مكر وخداع؛ كقوله: (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ)، أي: إعادة الشيء عندع أهون من الابئ اء، وإنى شت الإعادة والابتداء أسواء على اللَّه؛، فعلى ذلك قوله: (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ)، (كَيْدِي مَتِينٌ) ونحوه، أي: نفعل بكم ما هو استدراج وكيد عندكم، واللَّه أعلم.

ودل قوله: (وَأُمْلِي لَهُمْ) وعلى أنه لم ينشئهم لحاجة له إليهم، أو لمنفعة له فيهم، ولكن أنشأهم لحوائج أنفسهم، ولمنافع ترجع إليهم، حتى إن عملوا نفعوا أنفسهم، وإن تركوا ضروا أنفسهم.

- وقوله: (مَتِينٌ).

قيل: شديد، أي: عقوبتي شديدة، والمتين: هو المحكم القوي.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ ... (184)

إن الكفرة كانوا ينسبون رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إلى الجنون أحيانًا، والذي حملهم على ذلك - واللَّه أعلم - أنهم كانوا أهل العز والشرف في الدنيا، وكان لا يخالفهم أحد، ولا يستقبلهم بالمكروه إلا أحد رجلين: رجل ذو قوة وهيبة، وله أعوان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015