(لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا) بعد ما نهوا ووعظوا، فقالوا: كيف تعظون قومًا لا يتعظون ولا ينتهون، فإنما قالوا ذلك بعد ما نهوا.
وقال قائلون: هذا القول منهم نهي؛ لأنهم أتوا بوعيد شديد بقولهم: (لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا)، فنفس هذا القول منهم نهي وزجر عما ارتكبوا؛ حيث أتوا بالنهاية من الوعيد، وهو الهلاك والعذاب الشديد.
ولكنا لسنا نعلم أنهم كانوا في الهلكى أو في الناجين، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة، ولو كان لنا حاجة إلى ذلك لبينه لنا - عَزَّ وَجَلَّ - ولم يترك ذلك لآرائنا، سوى أنه بين من نجا منهم بالنهي عن الظلم والعدوان، وبين من أهلك وعذب بالظلم والعدوان بقوله: (أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ).
قرئ بالرفع والنصب أيضًا (مَعْذِرَةً) فمن قرأ بالرفع أضمر فيه هذه؛ كأنهم قالوا: هذه معدْرة إلى ربكم؛ كقوله: (سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا)، قيل: هذه سورة أنزلناها.
ومن قرأ بالنصب قال: (مَعْذِرَةً) أي: اعتذارًا منهم إلى ربهم (وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) عما نهوا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ ... (165) أي: توكوا وأعرضوا عما ذكروا به.