وقوله: (شُرَّعًا) أي: شارعات من غمرة الماء، أي: خارجات.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ... (164)
وذكر في الأول أنهم كانوا ثلاث فرق:
فريق عدوا، وتركوا أمر اللَّه، وارتكبوا ما نهوا عنه.
وفريق نهوا أُولَئِكَ الذين اعتدوا وانتهكوا حرم اللَّه.
وفريق، قيل: لم يعتدوا، ولم يرتكبوا نهيه، ولا نهوا أُولَئِكَ الذين اعتدوا، وهم الذين قالوا: (لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا. . .) الآية، وكذلك روي عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: هم كانوا ثلاث فرق: فرقة وعظت، وفرقة موعوظة، وفرقة ثالثة، وهم الذين قالوا: (لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ).
وهو ما ذكرنا أنه ذكرهم في الابتداء ثلاث فرق، وذكر في آخر الحال فرقتين: فرقة هي التي هلكت بالاعتداء، وفرقة هي التي نهت ونجت.
ثم اختلف أهل التأويل في الفرقة الثالثة:
قَالَ بَعْضُهُمْ: كانوا في الفرقة التي هلكت؛ لوجهين:
أحدهما: لما لم ينهوا أُولَئِكَ الذين اعتدوا، وكان فرض عليهم النهي عن المنكر والأمر بالمعروف، فإذا لم ينهوا أُولَئِكَ هلكوا وشركوا في العذاب؛ كقوله: (لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ. . .) الآية.
والثاني: كانوا معهم لما نهوا الناهين بقوله: (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ).
وقال قائلون: كانوا في الناجين.
قال الحسن: لأنهم كانوا نهوا أُولَئِكَ عن الاعتداء والظلم الذي كان منهم، وكان قولهم: (لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا) بعد ما نهوهم ووعظوهم فلم يتعظوا، فإنما قالوا لأُولَئِكَ: