ذلك العذاب؛ جزاء لإفسادهم، واللَّه أعلم.
ويحتمل أن يكون ذلك لهم؛ لأنهم كانوا عيونًا للكفرة، وطلائع لهم، يخبرون بذلك عن أخبارهم وسرائرهم، ويطلعون على عوراتهم، فذلك سعى في أمر دينهم ودنياهم بالفساد؛ كقوله: (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ) الآية.
ويحتمل وجهًا آخر: وهو أنهم لم يكونوا في الأحوال كلها أهل دين يقيمون عليه في حال الرخاء والضيق؛ ولكن كانوا مع السعة والرخاء حيث كان، ولا كذلك سائر الكفرة، بل كانوا في حال الرخاء والشدة على دين واحد: يعبدون الأصنام، وأُولَئِكَ مع المؤمنين في حال إذا كانت السعة معهم، ومع الكافرين في حال إذا كانت السعة معهم، لا يقرون على شيء واحد، مترددون بين ذلك؛ كما قال اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ): الآية، والكفرة عبدوا من عبدوا؛ على رجاء التقريب إلى اللَّه، وأمر اللَّه - تعالى - لهم بذلك؛ ليكونوا لهم شفعاء عند اللَّه، وأهل النفاق لم يكونوا يعبدون غير بطونهم ومن معه شهواتهم؛ فلذلك ازداد عذابهم على عذاب غيرهم، ولما جَمَعُوا إلى الكفر باللَّه - المخادعة والتغرير وإغراء الأعداء واستعلاءهم، ولما قد أشركوا الفرق كلهم في اللذات وفي طلب الشهوات؛ فعاد إليهم ما استحق كل منهم من العقوبة، وبما بذلك شاركوا في كل المعاصي، أو سبيلها إعطاء الأنفس الشهوات مع ما فيهم تغرير ضعفة المؤمنين، والتلبيس عليهم، ولا قوة إلا باللَّه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا ... (146)
عن ابن عَبَّاسٍ قال: (تَابُوا) من النفاق، و (وَأَصْلَحُوا) أعمالهم، و (وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ)، ويقول: وثقوا باللَّه.
وقيل: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ).
يقول: من المؤمنين، أي: صاروا كسائر المؤمنين.
وفي حرف ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأُبَي: " إلا الذين تابوا، ثم آمنوا باللَّه والرسول والكتاب الذي أنزل إليه من ربه وما أنزل إلى النبيين من قبل، ثم أخلصوا دينهم